فيجدون قد أحضر إليهم الغرّة (١) ، وهو أنه يقدّم الخليفة بأن يضرب بدار الضرب في العشر الآخر من ذي الحجة بتاريخ السنة التي ركب أوّلها في هذا اليوم جملة من الدنانير والرباعية والدراهم المدوّرة المقسقلة ، فيحمل إلى الوزير منها ثلثمائة وستون دينارا ، وثلثمائة وستون رباعيا وثلثمائة وستون قيراطا ، وإلى أولاده ، وإخوته من كل صنف من ذلك خمسون ، وإلى أرباب الرتب من أصحاب السيوف ، والأقلام من عشرة دنانير ، وعشر رباعيات ، وعشرة قراريط إلى دينار واحد ، ورباعيّ واحد ، وقيراط واحد ، فيقبلون ذلك على حكم البرمكية من مبلغ الخليفة قال : ومبلغ الغرّة التي ينعم بها في أوّل العام المقدّم ذكره من الدنانير والرباعيات والقراريط ما يربط من ثلاثة آلاف دينار ، والله تعالى أعلم.
ذكر ما كان يضرب في خميس العدس من خراريب الذهب
قال ابن المأمون : وأحضر الأجل المأمون كاتب الدفتر ، وأمره بالكشف عما كان يضرب برسم خميس العدس من الخراريب الذهب ، وهو خمسمائة دينار عن عشرين ألف خروبة ، واستدعى كاتب بيت المال ، ووقع له بإطلاق ألف دينار ، وأمره بإحضار مشارف (٢) دار الضرب ، وسلمها إليه ، فاعتمد ذلك ، وضربت عشرون ألف خروبة وأحصرها ، فأمر بحملها إلى الخليفة ، فسير الخليفة منها إلى المأمون ثلثمائة دينار ، وذكر أنها لم تضرب في مدّة خلافة الحافظ لدين الله غير سنة واحدة ، ثم بطل حكمها ، ونسي ذكرها.
قال : وصار ما يضرب باسم الخليفة يعني الآمر بأحكام الله في ستة مواضع : القاهرة ، ومصر ، وقوص ، وعسقلان ، وصور ، والإسكندرية.
وقال ابن عبد الظاهر : خميس العدس كان يضرب فيه خمسمائة ، تعمل عشرة آلاف خروبة ، كان الأفضل بن أمير الجيوش يحمل منها للخليفة مائتي دينار ، والبقية برسمه ، ثم جعلت في الأيام المأمونية ألف دينار ، وربما زادت أو نقصت يسيرا ، وقد تقدّم أنّ قاضي القضاة كان يتولى عيار دار الضرب ، ويحضر التغليق بنفسه ، ويختم عليه ويحضر للموعد الآخر لفتحه.
ذكر دار الوكالة الآمرية
كانت دار الوكالة المذكورة ، بجانب دار الضرب ، وموضعها الآن على يمنة السالك
__________________
(١) الغرّة : هي دنانير رباعية ودراهم خفاف مدورة وهذا النوع من الإصدارات يشبه اليوم إصدار قطع نقدية أو طوابع لمناسبات معينة.
(٢) مشارق : عمله طلب التفاصيل الكاملة عن أية جهة من الجهات الضريبية التي تقع في دائرة عمله ويدخل في عهدته جميع المتحصلات المالية بعد ختمها وهو بمعنى المشرف والمفتش. نهاية الأرب ٨ / ٣٠٤.