ذاك الأمير جهاركس الخليليّ يتولى عمارة مدرسة الملك الظاهر برقوق ، التي في خط بين القصرين، فلما بلغه خبر هذا الحجر بعث إليه ، وأمر بجرّه إلى العمارة ، فعمل عتبة باب المزمّلة ، التي للمدرسة وكان من وراء هذه الدار ، رحبة الأفيال أدركتها ساحة ثم عمر فيها.
قال ابن الطوير : الخدمة المعروفة : بالنيابة للقاء المرسلين ، وهي خدمة جليلة يقال لمتوليها النائب ، وينعت بعدي الملك ، وهو ينوب عن صاحب الباب في لقاء الرسل الوافدين على مسافة ، وإنزال كل واحدة في دار تصلح له ، ويقيم له من يقوم بخدمته ، وله نظير في دار الضيافة ، وهو يسمى اليوم بمهمندار ، ويرتب لهم ما يحتاجون إليه ، ولا يمكن أحدا من الاجتماع بهم ، ويذكر صاحب الباب بهم ، ويبالغ في نجاز ما وصلوا فيه ، وهو الذي يسلم بهم أبدا عند الخليفة والوزير ، وينفذ بهم ، ويستأذن عليهم ، ويدخل الرسول وصاحب الباب قابض على يده اليمنى ، والنائب بيده اليسرى ، فيحفظ ما يقولون ، وما يقال لهم ، ويجتهد في انفصالهم على أحسن الوجوه ، وبين يديه من الفرّاشين المقدّم ذكرهم عدّة لإعانته وإذا غاب أقام عنه نائبا إلى أن يعود وله من الجاري خمسون دينارا في كل شهر ، وفي اليوم نصف قنطار خبز ، وقد يهدي إليه المرسلون طرفا فلا يتناولها إلّا بإذن ، انتهى.
وفي هذه الدولة التركية يقال لمتولي هذه الوظيفة : مهمندار ، ولا يليها عندهم إلّا صاحب سيف من الأمراء العشراوات ، وكانت في الدولة الفاطمية على ما ذكره ابن الطوير:لا يليها إلّا أعيان العدول ، وأرباب العمائم ، وينعت أبدا بعدي الملك ، وأصل هذه الكلمة الفارسية : مهمان دار (ومعناها ملتقى الضيوف).
ذكر اصطبل الحجريّة
وكان بجوار دار الضيافة : اصطبل الصبيان الحجرية المقدّم ذكرهم ، وموضع هذا الاصطبل اليوم يعرف : بخان الوراقة داخل باب الفتوح القديم ، بسوق المرحلين ، على يسرة من أراد الخروج من باب الفتوح القديم ، تجاه زيادة الجامع الحاكميّ ، ومن حقوق هذا الاصطبل أيضا الموضع الذي فيه الآن القيسارية المعروفة بقيسارية الست التي هي اليوم تجاه المدرسة الصيرمية ، والجملون الصغير ، وكانت بهذه الإصطبل خيول الصبيان الحجرية إحدى طوائف العساكر في زمن الخلفاء الفاطميين.
ذكر مطبخ القصر
وكان بجوار القصر الغربيّ قبالة باب الزهومة من القصر الكبير : مطبخ القصر ، وموضعه الآن : الصاغة تجاه المدارس الصالحية ، ولما كانت مطبخا ، كان يخرج إليه من باب الزهومة ، وذكر ابن عبد الظاهر : أنه كان يخرج من المطبخ المذكورة مدّة شهر رمضان : ألف ومائتا قدر من جميع ألوان الطعام ، تفرّق كل يوم على أرباب الرسوم والضعفاء.