ويحضر المحتسب أو نائبه إلى هذه الدار ليعير المعمول فيها بحضوره ، فإن صح ذلك أمضاه ، وإلّا أمر بإعادة عمله ، حتى يصح ، وكان بهذه الدار أمثلة يصحح بها العيار ، فلا تباع الصنج ، والموازين والأكيال ، إلّا بهذه الدار ، ويحضر جميع الباعة إلى هذه الدار باستدعاء المحتسب لهم ، ومعهم موازينهم ، وصنجهم ومكاييلهم ، فتعير في كل قليل ، فإن وجد فيها الناقص استهلك ، وأخذ من صاحبه لهذه الدار ، وألزم بشراء نظيره ، مما هو محرّر بهذه الدار ، والقيام بثمنه ، ثم سومح الناس وصار يلزم من يظهر في ميزانه أو صنجه خلل بإصلاح ما فيها من فساط فقط ، والقيام بأجرته فقط ، وما زالت هذه الدار باقية جميع الدولة الفاطمية.
فلما استولى صلاح الدين على السلطنة أقرّ هذه الدار ، وجعلها وقفا على سور القاهرة مع كان جاريا في أوقاف السور من الرباع والنواحي الجارية في ديوان الأسوار ، وما زالت هذه الدار باقية.
اصطبل الجميزة : وكان بجوار القصر الغربيّ من قبليه اصطبل الجميزة من جانب باب الساباط الذي هو الآن : باب سرّ المارستان المنصوريّ ، وقيل له : اصطبل الجميزة من أجل أنه كان في وسطه شجرة جميز كبيرة ، وكان موضع هذا الاصطبل ، تجاه من يخرج من باب الساباط ، فينزل من الحدرة التي هي الآن تجاه باب سرّ المارستان المتوصل منها إلى حارة زويلة ، ويمتدّ فيما حاذاه يسارك ، إذا وقفت بأوّل هذه الحدرة ، حيث الطاحون الكبيرة التي هي الآن في أوقاف المارستان ، وما وراءها ويحاذيها إلى الموضع المعروف اليوم : بالبندقانيين ، وكانت بئره تعرف : ببئر زويلة ، وعليها ساقية تنقل الماء لشرب الخيول ، وموضع هذا البئر اليوم : قيسارية تعرف بقيسارية يونس تجاه درب الأنجب ، وقد شاهدت هذه البئر ، لما أنشأ الأمير يونس الدوا دار هذه القيسارية والربع علوها ، فرأيت بئرا كبيرة جدّا ، وقد عقد على فوهتها عقد ركب فوقه بعض القيسارية ، وترك منها شيء ، ومنها الآن الناس تسقي بالدلاء ، وما زال هذا الاصطبل باقيا إلى أن انقرضت الدولة الفاطمية ، فحكر وبنى في مكانه الآدار التي هي موجودة الآن ، وحكره جار في أوقاف الصلاح الأزبكيّ ، وقد تقدّم ذكر هذا الاصطبل عند ذكر اصطبل الطارمة ، فانظر رسومه هناك.
دار الديباج (١) : وكان بجوار اصطبل الطارمة من غربيه : دار الديباج ، وهي حيث المدرسة الصاحبية بسويقة الصاحب وما جاورها من جانبها ، وما خلفها إلى الوزيرية ، وكانت هي : دار الوزارة القديمة ، وأوّل من أنشأها : الوزير يعقوب بن يونس بن كاس وزير العزيز بالله ، ثم سكنها الوزير الناصر للدين قاضي القضاة ، وداعي الدعاة علم المجد أبو
__________________
(١) وهي التي يقال لها الوزيرية نسبة إلى الوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس وزير المعز بالله الفاطمي وكانت مكان مدرسة الصاحب المعروفة بالصاحبية. صبح الأعشى ج ٣ / ٤٠٢.