ذكر ما قيل في مدّة أيام الدنيا ماضيها وباقيها
اعلم : أنّ الناس قد اختلفوا قديما وحديثا في هذه المسألة ، فقال قوم من القدماء الأول : بالأكوار والأدوار وهم الدهرية ، وهؤلاء هم القائلون بعود العوالم كلها على ما كانت عليه بعد ألوف من السنين معدودة ، وهم في ذلك غالطون من جهة طول أدوار النجوم ، وذلك أنهم وجدوا قوما من الهند والفرس قد عملوا أدوارا للنجوم ليصححوا بها في كل وقت مواضع الكواكب فظنوا أنّ العدد المشترك لجميعها هو عدد سني العالم أو أيام العالم ، وإنه كلما مضى ذلك العدد عادت الأشياء إلى حالها الأوّل.
وقد وقع في هذا الظنّ ناس كثير مثل ، أبي معشر وغيره ، وتبع هؤلاء خلق وأنت تقف على فساد هذا الظن إن كنت تخبر من العدد شيئا ما ، وذلك أنك إذا طلبت عددا مشتركا بعده أعداد معلومة ، فإنك تقدر أن تضع لكل زيج أياما معلومة كالذي وضعه الهند والفرس ، فهؤلاء حيث جهلوا صورة الحال في هذه الأدوار ، ظنوا أنها عدد أيام العالم ، فتفطن ترشد.
وعند هؤلاء أنّ الدور هو أخذ الكواكب من نقطة وهي سائر حتى تعود إلى تلك النقطة ، وأن الكور هو استئناف الكواكب في أدوارها سيرا آخر إلى أن تعود إلى مواضعها مرّة بعد أخرى.
وزعم أهل هذه المقالة ، أنّ الأدوار منحصرة في أنواع خمسة :
الأوّل : أدوار الكواكب السيارة في أفلاك تداويرها.
الثاني : أدوار مراكز أفلاك التدوير في أفلاكها الحاملة.
الثالث : أدوار أفلاكها الحالة في فلك البروج.
الرابع : أدوار الكواكب الثابتة في فلك البروج.
الخامس : أدوار الفلك المحيط بالكل حول الأركان الأربعة ، وهذه الأدوار المذكورة ، منها ما يكون في كل زمان طويل مرّة واحدة ، ومنها ما يكون في كل زمان قصير مرّة واحدة ، فأقصر هذه الأدوار ، أدوار الفلك المحيط بالكل حول الأركان الأربعة فإنه يدور في كل أربع وعشرين ساعة ، دورة واحدة ، وباقي الأدوار يكون في أزمنة أخر أطول من هذه لا حاجة بنا في هذه المسألة إلى ذكرها.
قالوا : وأدوار الكواكب الثابتة في فلك البروج تكون في كلّ ستّة وثلاثين ألف سنة شمسية مرّة واحدة ، وحينئذ تنتقل أوجات الكواكب ، وجوز هراتها إلى مواضع حضيضها ، ونوبهراتها وبالعكس ، فيوجب ذلك عندهم ، عود العوالم كلها إلى ما كانت عليه من الأحوال في الزمان والمكان والأشخاص والأوضاع ، بحيث لا يتخالف ذرة واحدة ، وهم مع ذلك