إذا حصل وفاء النيل أن يكتب إلى العمال.
فمما كتب من إنشاء تاج الرياسة أبي القاسم عليّ بن منجب بن سليمان الصيرفي(١): أمّا بعد : فإن أحق ما أوجبت به التهنئة والبشرى ، وغدت المسارّ منتشرة تتوالى وتترى ، وكان من اللطائف التي غمرت بالمنة العظمى ، والنعمة الجسيمة الكبرى ، ما استدعى الشكر لموجد العالم وخالقه ، وظلت النعمة به عامّة لصامت الحيوان وناطقه ، وتلك الموهبة بوفاء النيل المبارك الذي يسره الله تعالى ، وله الحمد يوم كذا ، فإن هذه العطية تؤدّي إلى خصب البلاد وعمارتها ، وشمول المصالح وغزارتها ، وتفضي بتضاعف المنافع والخيرات ، وتكاثر الأرزاق ، والأقوات ويتساهم الفائدة فيها جميع العباد ، وتنتهي البركة بها إلى كل دان وناء وكل حاضر وباد ، فأذع هذه النعمة قبلك ، وانشرها في كل من يتدبر عملك ، وحثهم على مواصلة الشكر لهذه الألطاف الشاملة لهم ، ولك ، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.
وكتب أيضا : إن أولى ما تضاعف به الابتهاج والجذل ، وانفتح فيه الرجاء ، واتسع الأمل ، ما عمّ نفقه صامت الحيوان وناطقه ، وأحدث لكل أحد اغتباطا لزمه ، وآلى أن لا يفارقه ، وذلك ما منّ الله به من وفاء النيل المبارك الذي تحيى به كل أرض موات ، وتكتسى بعد اقشعرارها حلة النبات ويكون سببا لتوافر الأقوات ، فإنه وفى المقدار الذي يحتاج إليه ، فلتذع هذه المنة في القاضي والداني ، لتستعمل الكافة بينهم ضروب البشائر والتهاني إن شاء الله تعالى.
وكتب أيضا : من لطف الله الواجب حمده ، اللازم شكره وفضله ، الذي لا يمل بشره ، ولا يسأم ذكره ، ومنّه ، الذي استبشر به الأنام ، وتضاعف فيه الإنعام ، ومثل الله الحياة به في قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) [يونس / ٢٤] أمر النيل المبارك الذي يعمّ النجود والتهائم ، وتنتفع به الخلائق ، وترتع فيما يظهره البهائم ، وقد توجه إليك بهذا الكتاب بهذه البشرى فلان ، فأجره على رسمه في إظهاره مجملا ، وإيصاله إلى رسمه مكملا ، وإذاعة هذه النعمة على الكافة ليتساهموا الاغتباط بها ، ويبالغوا في الشكر لله سبحانه وتعالى بمقتضاها ، وعلى حسبها فاعلم ذلك ، واعمل به إن شاء الله تعالى.
منظرة الدكة : وكان من جملة مناظر الخلفاء الفاطميين ، منظرة تعرف : بالدكة لها بستان عظيم بجوار المقس فيما بينه ، وبين أراضي اللوق ، وما زالت باقية ، حتى زالت الدولة ، وحكر مكان البستان ، وصار خطة تعرف إلى اليوم بخط الدكة ، فخربت المنظرة ، وزال أثرها.
__________________
(١) منشئ مؤرخ من أعيان المصريين تاج الرئاسة ولي ديوان الإنشاء بمصر أيام الأمر الفاطمي وله عدة مؤلفات منها : (الإشارة إلى من نال الوزارة). ولد سنة ٤٦٣ ه وتوفي سنة ٥٤٢ ه. الأعلام ج ٥ / ٢٤.