بأسلحتها ، ولبوسها ، وفيها المنجنيقات تلعب فتنحدر وتقلع بالمجاذيف كما يفعل في لقاء العدوّ بالبحر الملح ، ويحضر بين يدي الخليفة المقدّم والرئيس ، فيوصيهما ، ويدعو للجماعة بالنصرة والسلامة ، ويعطي المقدّم مائة دينار ، والرئيس : عشرين دينارا ، وتنحدر إلى دمياط ، وتخرج إلى البحر الملح ، فيكون لها ببلاد العدوّ صيب وهيبة ، فإذا وقع لهم مركب لا يسألون عما فيه سوى الصغار والرجال والنساء ، والسلاح وما عدا ذلك فللأسطول.
واتفق مرّة أن قدّم على الأسطول سيف الملك الجمل ، فكسب بطشة عظيمة فيها ألف وخمسمائة شخص ، بعد أن بعث عليهم بالقتال ، وقتل منهم نحوا من مائة وعشرين رجلا ، وحضر إلى القاهرة ، ففرح الخليفة ، وركب إلى المقس ، وجلس بالمنظرة للقائهم ، وأطلقوا الأسرى بين يديه تحت المنظرة من جانب البرّ فاستدعيت الجمال لركوبهم ، وشق بهم القاهرة ومصر ، وهم كل اثنين على جمل ، ظهر الظهر ، وعاد الخليفة إلى القصر فجلس في إحدى مناظره لنظرهم في جوازهم ، فلما عادوا بهم من مصر صاروا بهم إلى المناخات ، فصح منهم ألف رجل ، فانضافوا إلى من في المناخ ، وأمّا النساء والصبيان فإنهم دخلوا بهم إلى القصر بعد أن حمل منهم للوزير نصيب وافر ، وأخذ الجهات ، والأقارب بقيتهنّ ، فيستخدمونهنّ ، ويعلمونهنّ الصنائع ، ويتولى الأستاذون تربية الصبيان ، وتعليمهم الخط والرماية ، ويقال لهم : الترابي ، ومن استريب به من الأسرى ، ونبه عليه بقوّة أوقع به ، والشيخ الذي لا ينتفع به يمضي فيه حكم السيف بمكان يقال له : بئر المنامة في الخراب قريب مصر ، ولم يسمع على الدولة قط أنها فادت أسيرا بمال ، ولا بأسير مثله ، وهذه الحال في كل سنة آخذة في الزيادة لا النقص ، وقدّم على الأسطول مرّة أمير يقال له : حرب بن فور ، صاحب الحاجب لؤلؤ ، فكسب بطشة حصل فيها : خمسمائة رجل ، انتهى.
وقد خربت هذه المنظرة ، وكان موضعها برج كبير صار يعرف في الدولة الأيوبية بقلعة المقس مشرف على النيل ، فلما جدّد الصاحب الوزير شمس الدين عبد الله المقسي جامع المقس على ما هو عليه الآن في سنة سبعين وسبعمائة ، هدم هذا البرج ، وجعل مكانه جنينة شرقيّ الجامع ، وتحدّث الناس أنه وجد فيه مالا ، والله أعلم.
منظرة البعل : وكان من مناظرهم بظاهر القاهرة منظرة في بستان أنيق يعرف : بالبعل أنشأه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجماليّ ، وموضع هذا البستان إلى اليوم يعرف بالبعل ، وصارت أرضه مزرعة في جانب الخليج الغربيّ ، بحريّ أرض الطبالة في كوم الريش ، مقابل قناطر الأزر ، وقد خربت المنظرة وبقي منها آثار أدركتها ، يعطن بها الكتان تدل على عظمها ، وجلالتها في حال عمارتها ، وكانت منظرة البعل من أجلّ منتزهاتهم ، وكان لهم بها أوقات عميمة المبرّات جليلة الخيرات.