قال ابن المأمون : فأمّا يوم السبت والثلاثاء فيكون ركوب الوزير من داره بالرهجية ، ويتوجه إلى القصر ، فيركب الخليفة إلى ضواحي القاهرة للنزهة في مثل الروضة ، والمشتهي ، ودار الملك ، والتاج ، والبعل ، وقبة الهواء ، والخمسة وجوه ، والبستان الكبير ، وكان لكل منظرة منهنّ فرش معلوم مستقرّ فيها من الأيام الأفضلية للصيف والشتاء ، وتفرّق الرسوم ويسلم لمقدّمي الركاب اليمين والشمال لكل واحد عشرون دينارا ، وخمسون رباعيا ، ولتالي مقدّم الركاب اليمين مائة كاغدة في كل كاغدة ثلاثة دراهم ، ومائة كاغدة في كل كاغدة درهمان ، ولتالي مقدّم الشمال مثل ذلك ، فأمّا الدنانير ، فلكل باب يخرج منه من البلد دينار ، ولكل باب يدخل منه دينار ، ولكل جامع يجتاز عليه دينار ، ما خلا جامع مصر ، فإن رسمه خمسة دنانير ، ولكل مسجد يجتاز عليه رباعيّ ، ولكل من يقف ويتلو القرآن : كاغدة ، والفقراء والمساكين من الرجال والنساء ، لكل من يقف كاغدة ، ولكل من يركب الخليفة ديناران ، ويكون مع هذا متولي صناديق الإنفاق يحجب الخليفة وبيده خريطة ديباج فيها خمسمائة دينار لما عساه يؤمر به.
فإذا حصل في إحدى المناظر المذكورة ، فرّق من العين ما مبلغه : سبعة وخمسون دينارا ، ومن الرباعية : مائة وستة وثمانون دينارا للحواشي ، والأستاذين وأصحاب الدواوين والشعراء ، والمؤذنين ، والمقرئين ، والمنجمين وغيرهم ، ومن الخزاف الشواء : خمسون رأسا منها طبقان حارّة مكملة مشورة ، برسم المائدة الخاص مضافا لما يحضر من القصور من الموائد الخاص ، والحلاوات وطبق واحد ، برسم مائدة الوزير ، وبقية ذلك بأسماء أربابه ، ورأسا بقر برسم الهرائس ، فإذا جلس الخليفة على المائدة استدعى الوزير ، وخواصه ، ومن جرت العادة بجلوسه معه ، ومن تأخر عن المائدة ، ممن جرت عادته بحضورها حمل إليه من بين يدي الخليفة على سبيل التشريف ، وعند عود الخليفة إلى القصر يحاسب متولي الدفتر مقدّمي الركاب على ما أنفق عليه في مسافة الطريق من جامع ، ومسجد وباب ودابة.
وأمّا تفرقة الصدقات فهم فيها على حكم الأمانة ، قال : وإذا وقع الركوب إلى الميادين جرى الحال فيها على الرسم المستقرّ من الإنعام ويؤمر متولي خزائن الخاص ، وصناديق الإنفاق أن يكون معه خريطة في السرج ديباج تسمى خريطة الموكب فيها ألف دينار معدّة لمن يؤمر بالإنعام عليه في حال الركوب.
منظرة التاج : هي من جملة المناظر التي كانت الخلفاء تنزلها للنزهة بناها الأفضل بن أمير الجيوش وكان لها فرش معدّ لها للشتاء والصيف ، وقد خربت ، ولم يبق لها سوى أثر كوم ، توجد تحته الحجارة الكبار وما حول هذا الكوم ، صار مزارع من جملة أراضي منية الشيرج.