بمصر والجزيرة ، وينفق في أربعين شينيا (١) ، ويكمل نفقاتها وعددها ، ويكون التوجه بها صحبة العسكر ، وأنفق في عشرين من الأمراء للتوجه صحبته ، فكملت النفقة في الفارس والراجل ، وفي الأمراء السائرين ، وفي الأطباء ، والمؤذنين والقرّاء ، وندب من الحجاب عدّة ، وجعل لكل منهم خدمة ، فمنهم من يتولى خزانة الخيام ، وسير معه من حاصل الخزائن برسم ضعفاء العسكر ، ومن لا يقدر على خيمة خيم ، ومنهم حاجب على خزائن السلاح ، وأنفق في عدّة من كتاب ديوان الجيش لعرض العساكر ، وفي كتاب العربان : وأحضر مقدّمو الحراسين بالخفار ، وتقدّم إليها بأنه من تأخر عن العرض بعسقلان ، وقبض النفقة ، فلا واجب له ، ولا إقطاع ، وكتبت الكتب إلى المستخدمين بالثغور الثلاثة : الإسكندرية ، ودمياط ، وعسقلان بإطلاق ، وابتياع ما يستدعي برسم الأسمطة على ثغر عسقلان للعساكر والعربان من الأصناف ، والغلال.
ووقع الاهتمام بنجاز أمر الرسل الواصلين ، وكتبت الأجوبة عن كتبهم ، وجهز المال والخلع المذهبات ، والأطواق ، والسيوف ، والمناطق الذهب ، والخيل بالمراكب الحلي الثقال ، وغير ذلك من التجملات ، وخلع على الرسل ، وأطلق لهم التغيير ، وسلمت إليهم الكتب ، والتذاكر وتوجهوا صحبة العسكر.
وركب الخليفة الآمر بأحكام الله إلى باب الفتوح ، ونظر بالمنظرة ، واستدعى حسام الملك ، وخلع عليه بدلة جليلة مذهبة ، وطوّقه بطوق ذهب ، وقلده ومنطقه بمثل ذلك ، ثم قال الوزير المأمون للأمراء : بحيث يسمع الخليفة ، هذا الأمير مقدّمكم ، ومقدّم العساكر كلها ، وما وعد به أنجزته ، وما قرّره أمضيته ، فقبلوا الأرض ، وخرجوا من بين يديه ، وسلم متولي بيت المال ، وخزائن الكسوة لحسام الملك الكتب بما ضمنته الصناديق من المال ، وأعدال الكسوات ، وحملت قدّامه ، وفتحت طاقات المنظرة ، فلما شاهد العساكر الخليفة قبلوا الأرض ، فأشار إليهم بالتوجه ، فساروا بأجمعهم ، وركب الخليفة ، وتوجه إلى الجامع بالمقس ، وجلس بالمنظرة ، واستدعى مقدّم الأسطول ، وخلع عليه ، وانحدرت الأساطيل مشحونة بالرجال والعدّة.
منظرة الصناعة : وكان من جملة مناظر الخلفاء منظرة بالصناعة في الساحل القديم من مصر يجلس بها الخليفة تارة حتى تقدّم له العشاريات ، فيركبها ويسير للمقياس ، حتى يخلق بين يديه عند الوفاء ، وكان بهذه الصناعة ديوان العمائر.
وأنشأ هذه المنظرة ، والصناعة التي هي فيها : الوزير المأمون ، لم تزل إلى آخر الدولة ، ودهليزها مادّ بمصاطب مفروشة بالحصر العبداني بسطا وتأزيرا ، وقد خربت هذه
__________________
(١) الشيني : نوع من السفن الحربية الكبيرة وكانت تستعمل في مصر على نطاق واسع. صبح الأعشى ٢ / ٥١٩.