الهودج : وكان من منتزهاتهم العظيمة البناء العجيبة البديعة الزي بناء في جزيرة الفسطاط التي تعرف اليوم : بالروضة ، يقال له : الهودج ، بناه الخليفة الآمر بأحكام الله لمحبوبته البدوية التي غلب عليه حبها بجوار البستان المختار ، وكان يتردد إليه كثيرا ، وقتل وهو متوجه إليه وما زال منتزها للخلفاء من بعده.
قال ابن سعيد في كتاب المحلى بالأشعار : قال القرطبيّ (١) في تاريخه : تذاكر الناس في حديث البدوية ، وابن مياح من بني عمها وما يتعلق بذلك من ذكر الآمر ، حتى صارت رواياتهم في هذا الشأن كأحاديث البطال ، وألف ليلة وليلة وما أشبه ذلك.
والاختصار منه أن يقال : إنّ الآمر كان قد بلي بعشق الجواري العربيات ، وصارت له عيون بالبوادي ، فبلغه أن جارية بالصعيد من أكمل العرب ، وأظرفهم شاعرة جميلة ، فيقال : إنه تزيا بزيّ بداة الأعراب وكان يجول في الأحياء إلى أن انتهى إلى حيّها ، وبات هناك في ضائقة ، وتحيل حتى عاينها هنالك ، فما ملك صبره ورجع إلى مقرّ ملكه ، وأرسل إلى أهلها يخطبها ، وتزوّجها ، فلما وصلت صعب عليها مفارقة ما اعتادته ، وأحبت أن تسرّح طرفها في الفضاء ، ولا تنقبض نفسها تحت حيطان المدينة ، فبنى لها البناء المشهور في جزيرة الفسطاط المعروف بالهودج ، وكان غريب الشكل على شط النيل ، وبقيت متعلقة الخاطر بابن عم لها ، ربيت معه يعرف : بابن مياح ، فكتبت إليه من قصر الآمر :
يا ابن مياح إليك المشتكي |
|
مالك من بعد قد ملكا |
كنت في حيي مطاعا آمرا |
|
نائلا ما شئت منكم مدركا |
فأنا الآن بقصر مرصد |
|
لا أرى إلّا خبيثا ممسكا |
كم تثنينا كأغصان اللوا |
|
حيث لا نخشى علينا دركا |
فأجابها :
بنت عمي والتي غذيتها |
|
بالهوى حتى علا واحتبكا |
بحت بالشكوى وعندي ضعفها |
|
لو غدا ينفع منا المشتكى |
مالك الأمر إليه أشتكي |
|
مالك وهو الذي قد ملكا |
قال : وللناس في طلب ابن مياح ، واختفائه أخبار تطول ، وكان من عرب طيّ في قصر الآمر : طراد بن مهلهل السنبسي فبلغته هذه القضية ، فقال :
ألا بلغوا الآمر المصطفى |
|
مقال طراد ونعم المقال |
__________________
(١) القرطبي : محمد بن أحمد كمال الدين مؤرخ مصري من أهل قنا (في صعيد مصر) كانت له رياسة ووجاهة. صنف كتابا في التاريخ عدة مجلدات توفي سنة ٦٩٣ ه. الأعلام ج ٥ / ٣٢٤.