وذكر أنّ الذي دار سور البساتين من سنط ، وجميز ، وأثل من أوّل حدّهما الشرقيّ ، وهو ركن بركة الأرمن مع حدّهما البحريّ والغربي جميعا إلى آخر زقاق الكحل في هذه المسافة الطويلة : سبعة عشر ألف ألف ، ومائتا شجرة ، وبقي قبليهما جميعا لم يحصن.
وإنّ السنط تغصن حتى لحق بالجميز في العظم ، وإنّ معظم قرظه يسقط إلى الطريق ، فيأخذه الناس ، وبعد ذلك يباع بأربعمائة دينار ، وكان به كل ثمرة لها دويرة مفردة ، وعليها سياج ، وفيها نخل منقوش في ألواح عليها برسم الخاص لا تجني إلّا بحضور المشارف ، وكان فيهما ليمون تفاحيّ يوكل بقشرة بغير سكر ، وأقام هذان البستانان بيد الورثة الجيوشية مع البلاد التي لهم مدّة أيام الوزير المأمون ، لم تخرج عنهم ، وكشف ذلك في أيام الخليفة الحافظ ، فكان فيهما ستمائة رأس من البقر ، وثمانون جملا ، وقوّم ما عليهما من الأثل والجميز ، فكانت قيمته : مائتي ألف دينار ، وطلب الأمير شرف الدين وكانت له حرمة عظيمة من الخليفة الحافظ قطع شجرة واحدة من سنط فأبى عليه ، فتشفع إليه ، وقوّمت بسبعين دينارا ، فرسم الخليفة إن كانت وسط البستان تقطع ، وإلا فلا ، ولما جرى في آخر أيام الحافظ ما جرى من الخلف ذبحت أبقاره ، وجماله ، ونهب ما فيه من الآلات والأنقاض ، ولم يبق إلّا الجميز والسنط والأثل لعدم من يشتريه ، انتهى.
وكان هذان البستانان من جملة الحبس (١) الجيوشيّ ، وهو أن أمير الجيوش بدر الجماليّ حبس عدّة بلاد وغيرها ، منها في البرّ الشرقيّ بناحية بهتيت ، والأميرية ، والمنية ، وفي البرّ الغربيّ ناحية سفط (٢) ونهيا ووسيم مع هذين البستانين المذكورين على عقبة ، فاستأجر هذا الحبس الوزير مدّة سنين بأجرة يسيرة ، وصار يزرع في الشرقيّ منه ، الكتان ومنه ما تبلغ قطيعته ثلاثة دنانير ونصفا وربعا عن كل فدّان فيتناولون فيه ربحا جزيلا لأنفسهم ، فلما بعد العهد انقرضت أعقابه ، ولم يبق من ذرّيته سوى امرأة كبيرة ، فأفتح الفقهاء بأن هذا الحبس باطل ، فصار للديوان السلطانيّ يتصرّف فيه ، ويحمل متحصله مع أموال بيت المال وتلاشت البساتين ، وبنى في أماكنها ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وبنى العزيز بالله بستانا بناحية سردوس.
قبة الهواء : وكان من أحسن منتزهات الخلفاء الفاطميين ، قبة الهواء ، وهي مستشرف بهج بديع ، فيما بين التاج ، والخمس وجوه يحيط به عدّة بساتين ، لكل بستان منها : اسم ، ولهذه القبة فرش معدّة في الشتاء ، والصيف ويركب إليها الخليفة في أيام الركوبات التي هي يوم السبت والثلاثاء.
__________________
(١) الحبس الجيوشي : عبارة عن ضياع وقرى (وقف) وقفها أمير الجيوش بدر الجمالي لتكون غلتها للجيش.
(٢) سفط : قرية في غربي النيل من جهة الصعيد. معجم البلدان ج ٣ / ٢٢٤.