بحر أبي المنجا (١) : وكان من منتزهات الخلفاء ، يوم فتح بحر أبي المنجا ، قال ابن المأمون : وكان الماء لا يصل إلى الشرقية إلّا من السردوسيّ ، ومن الصماصم ، ومن المواضع البعيدة ، فكان أكثرها يشرق في أكثر السنين ، وكان أبو المنجا اليهوديّ مشارف الأعمال المذكورة ، فتضرّر المزارعون إليه ، وسألوا في فتح ترعة يصل الماء منها في ابتدائه إليهم ، فابتدأ بحفر خليج أبي المنجا في يوم الثلاثاء السادس من شعبان سنة ست وخمسمائة ، وركب الأفضل بن أمير الجيوش ضحى ، وصحبته القائد أبو عبد الله محمد بن فاتك البطائحيّ ، وجميع إخوته والعساكر تحاذيه في البرّ وجمعت شيوخ البلاد وأولادها ، وركبوا في المراكب ، ومعهم حزم البوص (٢) في البحر ، وصار العشاريّ ، والمراكب تتبعها إلى أن رماها الموج إلى الموضع الذي حفروا فيه البحر ، وأقام الحفر فيه سنتين ، وفي كل سنة تتبين الفائدة فيه ، ويتضاعف من ارتفاع البلاد ، ما يهوّن الغرامة عليه.
ولما عرض على الأفضل جملة ما أنفق فيه استعظمه وقال : غرمنا هذا المال جميعه ، والاسم لأبي المنجا ، فغير اسمه ، ودعي بالبحر الأفضليّ ، فلم يتم ذلك ، ولم يعرف إلّا بأبي المنجا ثم جرى بين أبي المنجا ، وبين ابن أبي الليث ، صاحب الديوان بسبب الذي أنفق خطوب أدت إلى اعتقال أبي المنجا عدّة سنين ، ثم نفي إلى الإسكندرية بعد أن كادت نفسه تتلف ، ولم يزل القائد أبو عبد الله بن فاتك ، يتلطف بحاله إلى تضاعف من عبرة البلاد ما سهل أمر النفقة فيه.
ورأيت بخط ابن عبد الظاهر ، وهذا أبو المنجا هو جدّ بني صفير الحكماء اليهود ، والذين أسلموا منهم ، ولما طال اعتقال أبي المنجا في الإسكندرية في مكان بمفرده مضيقا عليه ، تحيل في تحصيل مصحف ، وكتب ختمة ، وكتب في آخرها : كتبها أبو المنجا اليهوديّ ، وبعثها إلى السوق ليبعها ، فقامت قيامة أهل الثغر ، وطولع بأمره إلى الخليفة ، فأخرج.
وقيل له : ما حملك على هذا؟ فقال : طلب الخلاص بالقتل ، فأدّب ، وأطلق سبيله.
وقيل : إنه كان في محبسه حية عظيمة ، فأحضر إليه في بعض الأيام لبن ، فرأى الحية ، وقد شربت منه ، ودخلت حجرها ، فصار في كل يوم يحضر لها لبنا ، فتخرج وتشرب منه ، وتدخل مكانها ، ولم تؤذه.
__________________
(١) بحر أبي المنجا : أول من احتفره الملك الأفضل شاهنشاه. وكان يشارف على العمل رجل يهودي اسمه أبو المنجا فعرف به. صبح الأعشى ٣ / ٣٣٤.
(٢) البوص : نبات من نباتات المستنقعات من الفصيلة النجيلية على هيئة القصب والغار. (المعجم الوسيط).