ذكر ما كان من أمر القصرين ،
والمناظر بعد زوال الدولة الفاطمية
ولما مات العاضد لدين الله في يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة ، احتاط الطواشي (١) قراقوش على أهل العاضد ، وأولاده ، فكانت عدّة الأشراف في القصور : مائة وثلاثين ، والأطفال خمسة وسبعين ، وجعلهم في مكان أفرد لهم خارج القصر ، وجمع عمومته ، وعشيرته في إيوان بالقصر ، واحترز عليهم ، وفرّق بين الرجال والنساء لئلا يتناسلوا ، وليكون ذلك أسرع لانقراضهم.
وتسلم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب القصر ، بما فيه من الخزائن والدواوين ، وغيرها من الأموال والنفائس ، وكانت عظيمة الوصف ، واستعرض من فيه من الجواري والعبيد ، فأطلق من كان حرّا ، ووهب واستخدم باقيهم ، وأطلق البيع في كل جديد ، وعتيق ، فاستمرّ البيع فيما وجد بالقصر ، عشر سنين ، وأخلى القصور من سكانها ، وأغلق أبوابها ، ثم ملكها أمراءه ، وضرب الألواح على ما كان للخلفاء وأتباعهم من الدور والرباع ، وأقطع خواصه منها ، وباع بعضها.
ثم قسم القصور ، فأعطى القصر الكبير : للأمراء فسكنوا فيه ، وأسكن أباه نجم الدين أيوب بن شادي في قصر اللؤلؤة على الخليج ، وأخذ أصحابه دور من كان ينسب إلى الدولة الفاطمية ، فكان الرجل إذا استحسن دارا أخرج منها سكانها ، ونزل بها.
قال القاضي الفاضل : وفي ثالث عشريه يعني ربيعا الآخر سنة سبع وستين : كشف حاصل الخزائن الخاصة بالقصر ، فقيل : إن الموجود فيه مائة صندوق كسوة فاخرة من موشح ، ومرصع وعقود ثمينة ، ودخائر فخمة ، وجواهر نفيسة ، وغير ذلك من ذخائر جمة الخطر ، وكان الكاشف بهاء الدين قراقوش ، وبيان ، وأخليت أمكنة من القصر الغربيّ سكن بها الأمير موسك والأمير أبو الهيجاء السمنيّ ، وغيره من الغزو ، ملئت المناظر المصونة عن الناظر ، والمنتزهات التي لم يخطر ابتذالها في الخاطر ، فسبحان
__________________
(١) الطّواشي : واحد الطواشية وهم المعروفون بالخدام ومنهم كان أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة وأجلّهم المحنكون وهم الذين يدورون عمائمهم على أحناكم. صبح الأعشى ٣ / ٥٥١.