الإسكندرية الفتح الأوّل نزل بجوار هذا الحصن ، واختط الجامع المعروف بالجامع العتيق ، وبجامع عمرو بن العاص ، واختطت قبائل العرب من حوله ، فصارت مدينة عرفت بالفسطاط ، ونزل الناس بها ، فانحسر بعد الفتح بأعوام ماء النيل عن أرض تجاه الحصن والجامع العتيق ، فصار المسلمون يوقفون هناك دوابهم ، ثم اختطوا فيه المساكن شيئا بعد شيء ، وصار ساحل البلد حيث الموضع الذي يقال له اليوم في مصر : المعاريج مارّا إلى الكوم الذي على يسرة الداخل من باب مصر بحدّ الكبارة ، وفي موضع هذا الكوم كانت الدور المطلة على النيل ، ويمرّ الساحل من باب مصر المذكور إلى حيث بستان ابن كيسان الذي يعرف اليوم : ببستان الطواشي في أوّل مراغة مصر ، وجميع الأماكن التي تعرف اليوم : بمراغة مصر وبالجرف إلى الخليج عرضا ، ومن حيث قنطرة السدّ إلى سوق المعاريج طولا ، كان غامرا بماء النيل إلى أن انحسر عنه ماء النيل بعد سنة ستمائة من سني الهجرة ، فصار رملة ، ثم اختط فيه الأمراء مما يلي النيل آدرا عند ما عمر الملك الصالح نجم الدين أيوب قلعة الروضة ، واختط بعضه شونا إلى أن أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون جامعه المعروف بالجامع الجديد الناصري ظاهر مصر ، فعمر ما حوله ، وقد كان عند فتح مصر سائر المواضع التي من منشأة المهرانيّ إلى بركة الحبش طولا ، ومن ساحل النيل بموردة الحلفاء ، وتجاه الجامع الجديد إلى سوق المعاريج ، وما على سمته إلى تجاه المشهد الذي يقال له : مشهد الراس ، وتسميه العامّة اليوم : مشهد زين العابدين كلها بحرا لا يحول بين الحصن والجامع ، وما على سمتهما إلى الحمراء الدنيا التي منها اليوم : خط قناطر السباع ، وبين جزيرة مصر التي تعرف اليوم : بالروضة شيء سوى ماء النيل ، وجميع ما في هذه المواضع من الأبنية انكشف عنه النيل قليلا قليلا ، واختط على ما يتبين لك في هذا الكتاب.
ذكر الحصن الذي يعرف بقصر الشمع (١)
اعلم : أن هذا القصر أحدث بعد خراب مصر على يد بخت نصر ، وقد اختلف في الوقت الذي بنى فيه ، ومن أنشأه من الملوك ، فذكر الواقديّ : أن الذي بناه اسمه : الريان بن الوليد بن أرسلاوس ، وكان هذا القصر يوقد عليه الشمع في رأس كل شهر ، وذلك أنه إذا حلّت الشمس في برج من البروج أوقد في تلك الليلة الشمع على رأس ذلك القصر ، فيعلم الناس بوقود الشمع أنّ الشمس انتقلت من البرج الذي كانت فيه إلى برج آخر غيره ، ولم يزل القصر على حاله ، إلى أن خربت مصر زمن بخت نصر بن نيروز الكلدانيّ ، فأقام خرابا خمسمائة سنة ، ولم يبق منه إلا أثره فقط ، فلما غلب الروم على مصر ، وملكوها من أيدي اليونانيين ، ولي مصر من قبلهم رجل يقال له : أرجاليس بن مقراطيس فبنى القصر على ما وجد من أساسه.
__________________
(١) قصر الشمع : كان بموضع الفسطاط في مصر قبل تمصير المسلمين لها. معجم البلدان ج ٤ / ٣٥٧.