قال : وإنما سميت الفسطاط لأنّ عمرو بن العاص لما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم ، أمر بنزع فسطاطه ، فإذا فيه يمام قد فرّخ ، فقال عمرو : لقد تحرّم منا بمتحرّم ، فأمر به فأقرّ كما هو ، وأوصى به صاحب القصر ، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية قالوا : أين ننزل؟ قالوا : الفسطاط ، لفسطاط عمرو الذي كان خلفه ، وكان مضروبا في موضع الدار التي تعرف اليوم بدار الحصار عند دار عمرو الصغيرة.
قال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ : كان فسطاط عمرو عند درب حمام شمول بخط الجامع ، وقال ابن قتيبة في كتاب غريب الحديث في حديث النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «عليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الفسطاط» يرويه سويد بن عبد العزيز عن النعمان بن المنذر عن مكحول عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
والفسطاط : المدينة ، وكل مدينة : فسطاط ، ولذلك قيل لمصر : فسطاط. وقال البكريّ : الفسطاط بضم أوّله وكسره وإسكان ثانيه : اسم لمصر ، ويقال : فسطاط وبسطاط. قال المطرّزي : وفصطاد ، وفستاد ، وبكسر أوائل جميعها ، فهي عشر لغات. وقال ابن قتيبة : كل مدينة فسطاط ، وذكر حديث : عليكم بالجماعة ، فإنّ يد الله على الفسطاط ، وأخبرني أبو حاتم عن الأصمعيّ أنه قال : حدّثني رجل من بني تميم قال : قرأت في كتاب رجل من قريش : هذا ما اشترى فلان بن فلان من عجلان مولى زياد ، اشترى منه خمسمائة جريب (١) حيال الفسطاط ، يريد البصرة ، ومنه قول الشعبيّ في الآبق إذا أخذ في الفسطاط عشرة ، وإذا أخذ خارجا عن الفسطاط أربعون ، وأراد أن يد الله على أهل الأمصار وأنّ من شذ عنهم ، وفارقهم في الرأي فقد خرج عن يد الله ، وفي ذلك آثار ، والله أعلم.
ذكر الخطط التي كانت بمدينة الفسطاط
اعلم : أنّ الخطط التي كانت بمدينة فسطاط مصر ، بمنزلة الحارات التي هي اليوم بالقاهرة ، فقيل لتلك في مصر : خطة ، وقيل لها في القاهرة : حارة.
قال القضاعيّ : ولما رجع عمرو من الإسكندرية ، ونزل موضع فسطاطه ، انضمت القبائل بعضها إلى بعض ، وتنافسوا في المواضع ، فولى عمرو على الخطط : معاوية بن خديج التجيبيّ ، وشريك بن سميّ الغطيفيّ ، وعمرو بن قحزم الخولانيّ ، وحيويل بن ناشزة المغافريّ ، وكانوا هم الذين أنزلوا الناس ، وفصلوا بين القبائل ، وذلك في سنة إحدى وعشرين.
__________________
(١) الجريب : مكيال قدر أربعة أقفزة.