ذكر أمراء الفسطاط من حين فتحت مصر إلى أن بني العسكر
اعلم : أنّ عدّة من ولي مصر من الأمراء في الإسلام منذ فتحت ، وسكن الفسطاط إلى أن بني العسكر تسعة وعشرون أميرا في مدّة مائة وثلاث عشرة سنة وسبعة أشهر ، أوّلها يوم الجمعة مستهل المحرّم سنة عشرين من الهجرة النبوية ، وهو يوم فتح مصر ، وآخرها سلخ شهر رجب سنة ثلاث ومائة آخر ولاية صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس على مصر ، وأوّل ولاية أبي عون عبد الملك ، وهو أوّل من سكن العسكر من أمراء مصر.
وأوّل أمراء الفسطاط بعد الفتح على ما ذكر الكنديّ وغيره : عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك : أبو عبد الله ، كان تاجرا في الجاهلية ، وكان يختلف بتجارته إلى مصر ، وهي الأدم والعطر ، ثم ضرب الدهر ضرباته حتى فتح المسلمون الشأم ، فخلا بعمر بن الخطاب رضياللهعنه ، فاستأذنه في المسير إلى مصر ، فسار في سنة تسع عشرة ، وأتى الحصن ، فحاصره سبعة أشهر إلى أن فتحه في يوم الجمعة مستهل المحرّم سنة عشرين ، وقيل : كان فتح مصر في ثاني عشر بؤنة سنة سبع وخمسين وثلثمائة لدقلطيانوس ، فعلى هذا يكون فتح مصر في سنة تسع عشرة من الهجرة ، وتحرير ذلك أن الذي بين يوم الجمعة أوّل يوم من ملك دقلطيانوس ، وبين يوم الخميس أوّل سنة الهجرة ثمان وثلاثون وثلثمائة سنة فارسية ، وتسعة وثلاثون يوما ، فإذا ألغينا ذلك من تاريخ مصر في ثاني عشر بؤنة سنة سبع وخمسين وثلثمائة بقي ثمان عشر سنة ، وثمانية أشهر وثلاثة أيام ، وهذه سنون شمسية عنها من سني القمر تسع عشر سنة وشهر وثلاثة عشر يوما ، فيكون ذلك في ثالث عشر ربيع الأوّل سنة عشرين ، فلعل الوهم وقع في الشهر القبطيّ ، وحاز الحصن بما فيه ، وسار إلى الإسكندرية في ربيع الأوّل منها ، فحاصرها ثلاثة أشهر ، ثم فتحها عنوة ، وهو الفتح الأوّل ، ويقال : بل فتحها مستهل سنة إحدى وعشرين ، ثم سار عنها إلى برقة ، فافتتحها عنوة في سنة اثنتين وعشرين ، وقيل : في سنة ثلاث وعشرين ، وقدم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه قدمتين استخلف في إحداهما زكريا بن جهم العبدريّ ، وفي الثانية ابنه عبد الله ، وتوفي عمر رضياللهعنه في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ، وبويع أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضياللهعنه ، فوفد عليه عمرو ، وسأله عزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن صعيد مصر ، وكان عمر ولاه الصعيد ، فامتنع من ذلك عثمان ، وعقد لعبد الله بن سعد على مصر كلها ، فكانت ولاية عمرو على مصر : صلاتها وخراجها ، منذ افتتحها إلى أن صرف عنها أربع سنين وأشهرا.