مؤمن ورع من محبى أهل البيت فأمر تلك السيدة بإظهار رأس الحسين ، ودفنته فى مشهده الموجود الآن ، ثم أولاه ـ المقتدر بالله ومن جاء بعده من خلفاء بنى العباس اهتماما عظيما فأقام عليه بناء عظيما وقبة ودفن الرأس الشريف فى تابوت مكسو بالحرير المزركش وسط هذه القبة. ويزدان هذا الضريح بصنوف المباخر وأوعية ماء الورد والشمعدانات والقناديل ، وكأنه الجنة العالية والجامع السلطانى. وبما أن هذا المشهد فى حجم الكعبة الشريفة يلف حول أعمدته كسوة الكعبة الشريفة لقياسها.
إنه مشهد يزار ليل نهار. وفى سفح جبل المقطم المعروف بجبل الجوشى :
مزار سلطان العاشقين
سيدى الشيخ عمر بن الفارض الحموى المصرى
كنيته أبو حفص واسمه الشريف عمر ، من قبيلة بنى سعد. وله قصيدة بليغة تسمى «التائية» يعجز فحول الشعراء عن قرض مصراع مثل مصراع فيها. حتى إن محيى الدين بن عربى فى دمشق أرسل إلى عمر بن الفارض يستأذنه فى أن ينظم لها نظيرة. فقال عمر بن الفارض لمحيى الدين بن عربى إن كتابك المسمى «الفتوحات المكية» نظيرة لهذه «التائية». إنها قصيدة بليغة إلى حد جد بعيد ، وعندما ينشد المتصوفة بيتا أو بيتين منها كل يوم جمعة فى ضريحه يغيبون عن الوعى فى نشوة الوجد. إنه ضريح عظيم ، وتكية عظيمة ، ومبرة ، وفيه متصوفة وجميع أوقافه من أوقاف الملك الكامل ، لأن عمر بن الفارض توفى عام ٦٣٢ فى أواخر عهد الملك الكامل.
وفى كل يوم جمعة يغصّ جامعه بالناس حتى إذا قدم أحد لم يجد له موضعا ، ومع ذلك يجد له مكانا بأمر الله ، وكرامة له ، ويجسو كل منهم على ركب بعضهم خواصهم وعوامهم ، ولا يستنكف أحد من ذلك وقد اجتمعت قلوبهم خواصا وعواما. يا لها من حكمة عجيبة. ولا وجود لمثل هذا الجو الروحى فى أى تكية أخرى ويقول جميع علماء مصر إن روح النبى (صلىاللهعليهوسلم) تحضر فى كل يوم جمعة فى هذه التكية ، كما تحضر أرواح سائر الأنبياء وهذا ما اصطلح عليه جميع مشايخ مصر. ـ رحمة الله عليه ـ.