ومنها كانت ترسل الغلال إلى جدة ، وهى ميناء مكة ، وينبع وهى ميناء المدينة المنورة ، ومنذ هذا العصر وأهل قنا يشتغلون بالتجارة ، وفيها تجار عظام وأكثرهم من أشراف مكة والمدينة ، ولأن قنا ميناء صغير فهى كاشفية تتبع قوص وهى التزام يدر مائة كيس ، ليس فيها جنود من الفرق الأربع ولكن فيها انكشارية وعزب من مصر.
ولهذه المدينة مفتى على المذاهب الأربعة ونقيب للأشراف لأنها مليئة بأشراف مكة وهى قضاء يدر مائة وخمسين أقجه ليس إلا ولتجارها مخازن على شاطئ النيل وتتكدس فى هذه المخازن شتى أنواع السلع لأنها ميناء مكة والمدينة والحبشة واليمن وعدن ، ويأتى الأشراف من الحجاج ويقضون فيها أربعة أو خمسة أيام ، وهم فيها يسيرون على الأقدام أو يركبون الحمر أو الجمال ، ومنها يصلون إلى ميناء القصير ، وكراء (١) الحمار خمسة قروش ، ويركبون منها السفن ليصلوا فى ليلة أو ليلتين إلى ميناء ينبع ، وبعد ذلك يبلغون مكة فى خمسة أو عشرة أيام بإذن الله ، ويكلفهم الحج دينارا واحدا وهناك يلتقى جموع غفيرة من الناس ، ولكن الطريق وعر عسر.
وفى جنوب قنا على ساحل النيل على مسيرة خمسمائة خطوة أرض رملية بها قصور شامخة ومسافة تبعد جنوبا عن النيل قدرها ثلاثة آلاف وستمائة خطوة وهى مدينة جميلة وجوانبها الأربعة لها أبواب ، وعليها حراس ، ويغلقونها ليل نهار وفيها عشرون جامعا ، وسبع منها خطبة علاوة على كثير من الزوايا وفيها الجامع الكبير يؤمّه كثير من المصلين ويسمونه كذلك جامع أمير المؤمنين لأن عمرو بن العاص حينما فتح هذه المدينة أقام هذا الجامع للخليفة عمر بن الخطاب ، وطوله وعرضه ستون خطوة ، وفى داخل الجامع خمسون عمودا من الرخام يحمل سقفا وفى وسط حرمه خمس نخلات نبتت من جذر واحد ، لقد زرع عمرو هذه النخلات بيده ومحرابه ليس خاليا من النقوش ومنبره من خشب وعلى منبره تاريخ هو :
(بسم الله الرحمن الرحيم ، أنشأ هذا المعمارات المباركة والجامع الأمير حسن أغا فى تاريخ السابع عشر محرم سنة ١٠٧٩).
__________________
(١) كراء : أجرة.