الفصل الحادى والسبعون
بعد توديع ولاية إبريم توكلنا على الله فتوجهنا صوب فونجستان
بيان بمنازل وقلاع وبلاد وقصبات فونجستان
مضينا على شاطئ النيل فى أول الأمر ولكن النيل فى هذه المحلة يمضى متعرجا ، وبعد ثمانى ساعات بلغنا بلدة وادى حلفه ، وقد أقمنا خياما هناك مع ثمانمائة رجل ، وكنا ضيوفا تلك الليلة فى هذا الوادى إن وادى حلفه سهل معشوشب ، وعلى شاطئ النيل فى ظل شجرة جلست أنعم بالراحة ، وعلى ضفتى النيل فيها صخر أملس ، ومنها رأينا شلالات لا تمكن السفن من العبور ، ثم رأينا فى يوم آخر سفنا كبيرة وهى تجرى ، وغادرنا وادى حلفا هذا وعلى شاطئ النيل فى الشرق والغرب جبال وأدغال وأحراش مخوفة ، فطوينا مراحل فى أرض كثيرة الأشجار وكثيرة الوحوش ، وقضينا فى ذلك ثمانى عشرة ساعة ، ولم نشاهد الشمس ستة أيام ، لأننا كنا فى غابة أشجارها مثمرة وبها أشجار متقاربة من السنديان والسنط فهذه الأشجار حجبت عنا الشّمس ولكن ليس فيها أثر لأشجار بلاد الروم ، وفى اليوم السابع بلغنا قلعة صاى.
أوصاف قلعة صاى
هى آخر حدود ممالك آل عثمان ، وبناها أبرهة فى جزيرة واسعة بنهر النيل ، وقد توارثها ملوك بعد ملوك ، وقد فتحها عمرو بن العاص عام ٢٢ ه بقيادة الأسود بن مقداد ، ثم استولى عليها الفونج وفى عام ٩٣٥ وفى عهد سليمان فتحها أوزدمر بك ، وهى قلعة حدود بناء على معاهدة أبرمت مع الفونج ، وقد وفا ملك فونجستان بعهده إلى يومنا هذا فما استولى عليها مخالفا لما تم الاتّفاق عليه ، وبما أنها واقعة على نهاية الحدود فإن المتمردين من فونجستان وبربرستان لا يكفوا عن مناوشاتهم ، وفى هذه البقعة يبدو النيل كأنه بحيرة واسعة ، وهى تبدو حصنا حصينا من الحجر الأسود مربع الشكل بناه شداد ، وفى البداية بعد طوفان نوح بناها الملك صاى بن مصرايم بن نقراوش وعمرها من بعده كثير من الملوك وبها الآن باب من الحديد يطل على النيل ، وقد أحضر أوزدمر باشا