رءوسهم رائحة ذكية ، وهم قوم سمر البشرة فى وجوههم مسحة من الجمال ، وقدم للمدد من ملك قرمانقه مائة ألف جندى وتجاوزنا خيامهم ، ثم وجدنا أنفسنا فى جنود ، وفيهم من يشبهون جنود المصريين والعثمانيين ، ورأينا لهم خياما تشبه خيام العرب فدخلنا السرور ومضينا إليهم ولهم ألفى خيمة من الحرير الملون وقد انعكست أشعة الشمس على مدافعهم فكان لها بريق يبهر عيوننا ، وقد مضيت إليهم غير خائف ولا وجل وتحدثت إليهم بكل أدب وقد استقبلونى عند الباب ، وبعد أن تصافحنا وعظّمته وركعت على ركبتى وقال لى بلسان تركى فصيح مرحبا بك ، فاطمأنت روحى ، وكأنه كان يعرف التركية الفصحى فبالقرب من أسوان كانت قبيلة من العرب مقيمة ففرحت بذلك ، وقلت : إننا قدمنا دون طعام فقدم لنا الشاى فشرب كل منا فنجانا من الشاى ، وقبّل كل من قدم معنا من القلعة يده.
كما أنه وقر ملك بربرستان كل التوقير فى البداية عند مقدمه ، وقبّل يد ملك الفونج الذى كان واقفا على يمنته ، والتقينا به طبق القانون المرعى ومنح من معنا من الجند المؤن ، وقال سوف نمضى لمواجهة العدو فى الصباح بإذن الله ، وقلت قدموا لنا الطعام كذلك فقال مرحبا ، وقد قدمت رسائل وزير مصر ورسائل أعيان جرجا ودراو ، وصاى وإبريم ، وقرأها ملك الفونج بلسان عربى بليغ ففهموا ما تضمنته هذه الرسائل ، فوقف فى التو واللحظة وأراد أن يقبل يدى ، وأمر وكيله بأن يهيىء خيمة بكل ما يلزم فيها فأقمنا بها ، كما أنه كان يحمل عنزا فى يده فقدمه إلينا كما كنت أحمل إزارا مزركشا فقدمته إليه ، فلفه حول رأسه فقال لله نحمد أننا تسلمنا هدايا الروم فوقفت ومضيت إلى الخيمة واسترحت فيها ساعة ، وقدم إلى خيمتنا بعد أن أصلحها العسكر والخدم ، فرفعنا من التراب وأكلت بعض الحلوى التى أحضرها وشربت كوبا من الشراب وسرّ كثيرا لما أحضر إلينا من حلوى وشراب ، وأهدينا إليه الحلوى والشراب المعطر فسر لذلك سرورا لا غاية بعده ، وقدمنا جميع المؤن على الجند ، وصاح العسكر طالبين إلىّ أن أتقدم ، وفى جوف الليل قرعوا الطبول ، وقودوا كل الخيام ، وكانوا على تمام الأهبة ، ولما أصبح نفخ فى البوق ، وانطلقوا فى طريقهم وطلبوا إلىّ أن أركب فيلا فصعدت سلما لأركب على ظهره