منزل وادى جانيج
كان البحر على يمنتنا ثم اتجهنا غربا فى صحراء وادى حلفه وفى جانبها الغربى أرض رملية وحجرية ، وفى اليوم الخامس بلغنا قلعة إبريم بحمد الله سالمين فنحرنا بعيرا وتصدقنا بلحمه ، ولقد وصلنا من الحبشة فى غرة جمادى الآخرة ، ونزلنا ضيوفا على رئيس القلعة بكر أغا وكانت إبريم فى نظرنا جنة الخلد قياسا ببلاد أخرى كأنها جهنم ، ورأينا قوما بيض الوجوه فشعرنا ببرد الراحة وأكلت خيلنا الشعير وأكلنا خبز القمح وقد حملنا الهدايا من السفن وهى التى أرسلها حاكم فونجستان إلى الباشا ، وسلمناها إلى رئيس القلعة بكر أغا وقد أحسن المحافظة عليها ورعت خيولنا فى الحقول ، وأتى رفاقنا ، ومنذ أتيت من ثمانية أيام ، لم أستطع أن أنزل النيل كما أن الآخرين لقوا كل المشقّة فى الطريق ودخلوا مدينة إبريم ، ولله نحمد أننا جمعنا كل ما نحمل من أشياء فى مكان واحد ، واسترحنا فى مدينة إبريم ثلاثة أيام ، ووضعنا ما ثقل من أحمالنا فى السفن وأرسلناها إلى جرجا ولقد كتبت مسودات رحلتى وليعلم من يطلعون عليها أن العلم الذى يشمل العالم لذوى النهى ليس مخفيا وليعلموا أن ما فى رحلتنا هذه من أخبار وأحداث مستمدة من خرائط علوم الهيئة والأطلس والجغرافيا ، وتواريخ القبط وتواريخ اليونان وعلم النجوم وبعض العلماء ذوى العقول الراجحة ، إن سياحتنا فى فونجستان والسودان وبربرستان وسودان كانت شاقة ، ولكن عناية الله عمتنا ، فما أبرّئ نفسى من تقصير ، إنها موهبة إلهية ، وفى عام ثلاثة وسبعين خرجت فى حرب أويوار وبعد الفتح بعام تيسر فتح قلعتين ، وبعد ذلك كانت هزيمة نهر راب ثم مضيت مع السفير قره محمد باشا إلى ألمانيا ثم إلى النمسا ومنها إلى ملك دونقارقير ومنها إلى ملك الدنمارك ، ومنها إلى ملك هولندا فى أمستردام ، ومنها إلى ملك بوهميا ومنها إلى ملك دانصقه ده له ، ومنها إلى ملك قراقو ، وبعد عامين ونصف بلغت السلطان محمد كراى سلطان القرم ، ومكثت عنده شهرا ، وقد عزله آل عثمان عن خانية القرم وأحل محله ابنه جوبان كراى ، وقد عبرت مع محمد كراى جركرستانه فبقى محمد كراى خان فى ديار ملك داغستان ،