محمد بن قلاوون إلى أن ملك ما تملك منها بالشراء قاضي القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي وسكنها ، إلى أن سافر ، فصارت من بعده لورثته فباعوها للشيخ زين الدين أبي بكر القمنيّ ، وهي بيده الآن.
دار أقوش : الرومي بحارة برجوان ، هذه الدار من أجلّ دور القاهرة ، وبابها من نحاس بديع الصنعة ، يشبه باب المارستان المنصوري ، وكان تجاهها اصطبل كبير يعلوه ربع فيه عدّة مساكن ، عرفت بالأمير جمال الدين أقوش الرومي السلاح دار الناصري ، وتوفي سنة سبع وسبعمائة ، وهي مما وقفه على تربته بالقرافة ، وقد خرب اصطبلها وعلوه وبيع نقض ذلك وتداعت الدار أيضا للسقوط ، فبيعت انقاضا وصارت من جملة الأملاك.
دار بنت السعيدي : هذه الدار بحارة برجوان ، عرفت بقاعة حنيفة بنت السعيدي إلى أن اشتراها شهاب الدين أحمد بن طوغان دوادار الأمير سودون الشيخوني نائب السلطان ، في سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، فأخذ عدّة مساكن مما حولها ، وهدمها وصيرها ساحة بها ، فصارت من أعظم الدور اتساعا وزخرفة ، وفيها آبار سبعة معينة ، وفسقية ينقل إليها الماء بساقية على فوهة بئر ، وما زال صاحبها شهاب الدين فيها إلى أن سافر إلى الاسكندرية في محرّم سنة ثمان وثمانمائة ، فمات رحمهالله ، وانتقلت من بعده لغير واحد بالبيع.
دار الحاجب : هذه الدار فيما بين الخرشتف (١) وحارة برجوان ، كان مكانها من جملة الميدان ، وكان يسلك من حارة برجوان في طريق شارعه إلى باب الكافوريّ ، فلما عمر الأمير بكتمر هذه الدار جعل اصطبلها حيث كانت الطريق ، وركّب بابا بخوجة مما يلي حارة برجوان ، واشترط عليه الناس أن لا يمنع المارّة من سلوك هذا المكان ، فوفى بما اشترط ، وما برح الناس يمرّون من هذا الطريق في وسط الاصطبل على باب داره ، سالكين من حارة برجوان إلى الكافوري والخرشتف ، ومنها إلى حارة برجوان ، وأنا سلكت من هذه الطريق غير مرّة ، وكان يقال لها خوخة الحاجب ، ثم لما طال الأمد وذهبت المشيخة نسيت هذه الطريق وقفل الباب ، وانقطع سلوك الناس منه ، وصارت تلك الطريق من جملة حقوق الدار ، وما برحت هذه الدار ينصب على بابها الطوارق (٢) دائما ، كما كانت عادة دور الأمراء في الزمن القديم ، فلما تغيرت الرسوم وبطل ذلك قلعت الطوارق من جانبي الباب. وأعلى اسكفته ، وباب هذه الدار تجاه باب الكافوريّ ، وعرفت بالأمير سيف الدين بكتمر الحاجب ، صاحب الدار ، خارج باب النصر والمدرسة بجواره ، ثم حل وقفها سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وبيعت كما بيع غيرها من الأوقاف. وهناك ترى ترجمته.
__________________
(١) في النجوم الزاهرة ٤ / ٥١ : الخرنشف : وقد كانت قديما ميدانا للخلفاء. والخرنشف ما يتحجّر ويوقد به على مياه الحمامات من الأزبال.
(٢) الطورق : لغة : المتكهنات. ربما قصد بها هنا التعاويذ. مختار الصحاح.