شرف الدين : عبد الوهاب بن الصاحب جمال الدين أبي المآثر فضل الله ابن الأمير عز الدين الحلي بن دعجان العمريّ ، ولي كتابة السرّ للملك الناصر محمد بن قلاون ، ثم صرفه عنها وولاه كتابة السرّ بدمشق ، فلم يزل بها حتى مات في ثالث شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة ، وقد عمر وبلغ أربعا وتسعين سنة ، وخلّف أموالا جمة ، ورثاه الشهاب محمود ، وقد ولي بعده وأرثاه علاء الدين عليّ بن غانم ، والجمال ابن نباتة ، وكان فاضلا بارعا أديبا عاقلا وقورا ناهضا ثقة أمينا مشكورا ، مليح الخط جيد الإنشاء ، حدّث عن الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وغيره.
ومنهم محيي الدين : يحيى بن الصاحب جمال الدين أبي المآثر فضل الله بن مجلي بن دعجان بن خلف بن نصر بن منصور بن عبد الله بن عليّ بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدويّ المريّ ، ولي كتابة السرّ بالديار المصرية عن الملك الناصر ، نقل إليها من كتابة سرّ دمشق لما مرض علاء الدين باستدعائه إلى مصر ، وأقيم بدله في كتابة سرّ دمشق شرف الدين أبو بكر بن الشهاب محمود ، وكان استقراره في محرّم سنة ثلاثين وسبعمائة ، فباشرها إلى ثاني عشر شعبان سنة اثنتين وثلاثين ، ونقل منها إلى كتابة السرّ بدمشق ، وطلب شرف الدين بن الشهاب محمود فاستقرّ في كتابة السرّ بمصر إلى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين ، وطلب محيي الدين من دمشق هو وابنه شهاب الدين أحمد ، فوصلا إلى القاهرة غرّة جمادى الأولى ، وخلع عليهما ورسم لهما بكتابة السرّ ، ونقل ابن الشهاب محمود إلى كتابة السرّ بدمشق ، فلم يزل محيي الدين يباشر كتابة السرّ هو وابنه إلى أن كان من تنكز السلطان لولده شهاب الدين ما كان ، وذلك أنه كان استعفى من الوظيفة لثقل سمعه وكبر سنه ، فأذن له أن يقيم ابنه القاضي شهاب الدين يباشر عنه ، فصار الاسم لمحيي الدين والمباشر ابنه شهاب الدين إلى أن حضر الأمير تنكز نائب الشام إلى القلعة وسأل السلطان في علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل المعروف بابن القطب أن يوليه كتابة السرّ بدمشق ، وكان السلطان لا يمنع تنكز شيئا يسأله ، فخلع عليه وأقرّه في ذلك عوضا عن جمال الدين عبد الله بن الأثير ، فأخذ شهاب الدين ينقصه عند السلطان بأنه نصرانيّ الأصل ، وليس من أهل صناعة الإنشاء ، ونحو ذلك ، والسلطان مغض عنه غير ملتفت إلى ما يرمى به رعاية لتنكز ، فلما كتب توقيع ابن القطب أراد تكثير الألقاب والزيادة له في المعلوم ، فامتنع شهاب الدين من كتابة ذلك ، وكان حادّ المزاج قويّ النفس شرس الأخلاق ، ففاجأ السلطان بغلظة ومخاشنة في القول ، وكان من كلامه كيف تعمل قبطيا أسلميا كاتب السرّ وتزيد في معلومه ، وبالغ في الجراءة حتى قال ما يفلح من يخدمك ، وخدمتك عليّ حرام ، ونهض قائما لشدّة حنقه ، وكان هذا منه بحضرة الأمراء فغضبوا لذلك وهموا بضرب عنقه ، فأغضى السلطان عنه وبلغ محيي الدين ما كان من ابنه فبادر إلى السلطان وقبل الأرض واعترف بخطإ ابنه واعتذر عن تأخره بثقل سمعه ،