مستوقد حمام ابن عبود المقابلة لدار ابن فضل الله ، واغتصب لها الرخام والأحجار والأخشاب ، وهدم عدّة دور وكثيرا من الترب بالقرافة ، منها تربة الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وكانت عجيبة البناء ، وأدخل ذلك في عمارته المذكورة ، ووسع فيها من جهة البندقانيين ما كان خرابا منذ الحريق الذي تقدّم ذكره ، وأنشأ من هناك حوض ماء يشرب منه الدواب ، فلما قارب إكمالها قبض الملك الناصر فرج على خاله جمال الدين يوسف استادار وقتله ، وكان أحمد هذا ممن قبض عليه معه ، فوضع الأمير تغري بردي ، وهو يومئذ أجلّ أمراء الناصر ، يده على هذه الدار ، وما رضي بأخذها حتى طلب كتابها فإذا به قد تضمن أنّ أحمد قد وقف هذه الدار ، فلم يزل بقضاة العصر حتى حكموا له بهذه الدار وجعلوها له بطريق من طرقهم ، فأقام فيها حتى أخرجه الناصر لنيابة دمشق في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، فنزل بها الأمير دمرداش بإرث ابنة جمال الدين ، وهي امرأة أحمد المذكور ولها منه أولاد ، وأرادت استرجاع الدار كما فعلت في مدرسة أبيها ، وكان لها ولورثة تغري بردي مخاصمات ، واستقرّت لبني تغري بردي.
دار بيبرس : هذه الدار فيما بين دار ابن فضل الله والسبع قاعات في ظهر حارة زويلة ، وقريبة من سويقة المسعودي ، تشبه أن تكون من جملة اصطبل الجميزة ، كانت دار الشريف بن تغلب صاحب المدرسة الشريفية برأس حارة الجودرية ، ثم عرفت بالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، فإنه كان يسكنها وهو أمير قبل أن يلي السلطنة ، وجدّد رخامها من الرخام الذي دل عليه الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح ، بالقصر الذي عرف بقصر أمير سلاح ، من جملة قصر الخلفاء ، كما سيأتي خبر ذلك عند ذكر الخانقاة الركنية بيبرس ، فإن بيبرس هذا هو الذي أنشأها ولم تزل إلى أن هدمها ناصر الدين محمد بن البارزي الحمويّ كاتب السرّ بعد ما اشتراها نقضا ، كما اشترى غيرها من الأوقاف ، وذلك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
السبع قاعات : هذه الدار عرفت بالسبع قاعات ، وهي يتوصل إليها من جوار دار بيبرس المذكورة ومن سويقة الصاحب ، وقد صارت عدّة مساكن جليلة ، ومكانها من جملة اصطبل الجميزة ، أنشأها الوزير الصاحب علم الدين بن زنبور ، ووقفها من جملة ما وقف ، فلما قبض عليه الأمير صرغتمش في حل أوقافه ووعد بالسبع قاعات خوند قطلوبنك ابنة الأمير تنكز الحساميّ نائب الشام أمّ السلطان الملك الصالح صالح بن الناصر محمد بن قلاوون ، ولقّنه الشريفان ، شرف الدين عليّ بن حسين بن محمد نقيب الأشراف ، وأبو العباس الصفراويّ ، أنّ الناصر لما قبض على كريم الدين الكبير ، بعث إلى كريم الدين من شهد عليه أنّ جميع ما صار بيده من الأملاك وقفها وطلقها إنما هو من مال السلطان دون ماله ، وشهد بذلك عند قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة ، فأثبت بهذه الشهادة أن أملاك كريم الدين جارية في الأملاك السلطان ، فأقرّ السلطان ما وقفه كريم الدين منها على