حاله وسماه الوقف الناصري ، فلما جلس السلطان الملك الصالح بدار العدل ، وحضر قاضي القضاة والأمراء وغيرهم من أهل الدولة على العادة ، تكلم الأمير صرغتمش مع قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن جماعة في حل أوقاف ابن زنبور ، فإنها ملك السلطان ومن ماله اشتراها ، وذكر قضية كريم الدين ، فأجابه بأنّ تلك القضية كانت صحتها مشهورة ، وذلك أنّ خزائن السلطان وحواصله وأمواله كلها كانت بيد كريم الدين وفي داره ، يتصرف فيها على ما يختاره ، جعل له السلطان بتوكيله والإذن له في التصرّف ، بخلاف ابن زنبور ، فإنه كان يتصرّف في ماله الذي اكتسبه من المتجر وغيره ، فما وقفه وثبت وقفه وحكم قضاة الإسلام بصحته لا سبيل إلى حله ، وساعده في ذلك القاضي موفق الدين عبد الله الحنبليّ ، وتردّد الكلام بينهما في ذلك ، فاحتج عليهما الأمير صرغتمش بما لقناه الشريفان من مشاطرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، عماله وأخذه من كل عامل نصف ماله ، وأن مال الوزير جميعه من مال السلطان ، فقال له ابن جماعة : يا أمير ، إن كنت تبحث معنا في هذه المسألة بحثنا معك ، وإن كان أحد قد ذكرها لك فليحضر حتى نبحث معه فيها ، فإنّ الذي ذكر لك هذه المسألة إنما قصد أن تصادر الناس وتأخذ أموالهم ، فوافقه رفقته الثلاثة قضاة على قوله ، وأراد ابن جماعة بقوله هذا التعريض بالشريفين وكان اختصاصهما بالأمير صرغتمش ، وقيامهما على ابن زنبور مشهورا ، فشق هذا على الأمير صرغتمش وانفض المجلس وقد اشتدّ حنقه لما ردّ عليه من كلامه وعورض فيه من مراده ، فبعثت خوند أم السلطان إلى ابن جماعة تعرّفه ما وعدت به من مصير السبع قاعات إليها ، وأكدت عليه في أن لا يعارضها في حلّ أوقاف ابن زنبور ، فأجابها بتقبيح هذا ، وخوّفها سوء عاقبته ، فكفت عنه ، ولقوّة غيظ الأمير صرغتمش مرض مرضا شديدا من انفتاح صدره ونفثه الدم ، حتى خيف عليه الموت ، ثم عوفي بعد ذلك بأيام ، وذلك كله في سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، واستمرّت السبع قاعات وقفا بيد ذرية ابن زنبور إلى يومنا هذا ، إلّا أنّ الأمير صرغتمش المذكور أخذ رخامها ووجد فيها شيئا كثيرا من صينيّ ونحاس وقماش وغير ذلك قد أخفي في زواياها.
علم الدين : عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم ، المعروف بابن زنبور ، أوّل ما باشر به استيفاء الوجه القبلي شريكا لوهب بن سنجر ، وطلع صحبته الأمير علم الدين عبد الرزاق كاشف الوجه القبليّ ، ونهض فيه ، فلما كانت مصادرة ابن الجيعان كاتب الإصطبل ، طلب السلطان سائر الكتاب ، وكان منهم ابن زنبور ، فعرضهم ليختار منهم فشكر الفخر ناظر الجيش منه وقال : هو ولد تاج الدين رفيقه وشكره الأكوز ، فلما انفض المجلس طلبه وخلع عليه ، فباشر نظر الإصطبل في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، ونال فيه سعادة طائلة ، واستمرّ إلى أن مات السلطان الملك الناصر محمد ، وحكم الأمير ايدغمش ، فباشر استيفاء الصحبة ، فلما قبض على حمال الكفاة ناظر الخاص وناظر الجيش وعلى الموفق