وزنجير وضرب في رحبة قاعة الصاحب من القلعة بالمقارع ، وتوالت عقوبته ، وأسلم لشادّ الدواوين ليعاقبه حتى يموت ، فقام الأمير شيخو في أمره ، فردّه صرغتمش إلى داره وأكرمه وأقام عنده إلى سابع عشري المحرّم سنة أربع وخمسين ، فأخرجه من داره وتسلمه شادّ الدواوين وعاقبه عقوبة الموت في قاعة الصاحب ، فاتفق ركوب الأمير شيخو من داره إلى القلعة وابن زنبور يعاقب ، فغضب من ذلك ووقف ومنع من ضربه ، وبلغ الخبر صرغتمش فصعد إلى القلعة وجرى له مع شيخو عدّة مفاوضات كادت تفضي إلى فتنة ، وآل الأمر فيها إلى تسفير ابن زنبور إلى قوص ، فأخرج من ليلته ، وكانت مدّة شدّته ثلاثة أشهر ، وأقام بمدينة قوص إلى أن عرض له مرض أقام به أحد عشر يوما ومات يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، وله بالقاهرة السبيل الذي على يسرة من دخل من باب زويلة بجوار خزانة شمائل ، وقد دخل في الجامع المؤيدي.
دار الدوادار : هذه الدار فيما بين حارة زويلة واصطبل الجميزة ، وهي اليوم من جملة خط السبع قاعات عرفت ... (١).
دار فتح الله : هذه الدار اليوم بخط سويقة المسعوديّ ، كان موضعها زقاقا يعرف بزقاق البناده ، وفيه باب قاعة أنشأها سعد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب بن النجيب أبي الفضائل الميمونيّ أحد مباشري ديوان الجيش ، وهي قاعة في غاية الملاحة من جودة رخام وكثرة دهان وحسن ترتيب ، ومات الميمونيّ في ثاني ذي الحجة سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، فسكنها فتح الله بن معتصم وهو يومئذ رئيس الأطباء ، فلما ولي كتابة السر شره إلى العمارة ، فأخذ ما في الزقاق المذكور من الدور شيئا بعد شيء ، وأخرج منها سكانها وهدمها وابتنى قاعة تجاه قاعة الميمونيّ ، وجعل فيها بئرا وفسقية ماء ، وبنى بها حمّاما ، ثم أنشأ اصطبلا كبيرا لخيوله ، ولم يقنع بذلك حتى حمل القضاة على الحكم له باستبدال دار الميمونيّ ، وكانت وقفا على أولاد الميمونيّ ومن بعدهم على الحرمين ، فعمل له طرف في جواز الاستبدال بها على ما صار القضاة يعتمدونه منذ كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة ، فلما تم حكم القضاة له بتملكها غير بابها وزاد في سعتها. وأضاف إليها عدّة مواضع مما بجوارها ، وغرس في جانبها عدّة أشجار وزرع كثيرا من الأزهار التي حملت إليه من بلاد الشام ، وبالغ في تحسين رخام هذه الدار ، وأنشأ دهيشة كيسة إلى الغاية بوسطها فسقية ماء ينخرط إليها الماء من شاذروان عجيب الصنعة بهج الزيّ ، وتشرف هذه الدهيشة على هذه الجنينة التي أبدع فيها كل الأبداع ، وركب علو هذه القاعة الأروقة العظيمة ، وبنى بجوارها عدّة مساكن لمماليكه ، ومسجدا معلقا كان يصلي فيه وراء إمام راتب قرّره له بمعلوم جار ، فجاءت هذه الدار من أجلّ دور القاهرة وأبهجها ، ووقف ذلك كله مع أشياء غيرها على تربته
__________________
(١) بياض في الأصل.