التي أنشأها خارج باب البرقية ، وعلى عدّة جهات من البر فلما نكب أكره حتى رجع عن وقف هذه الدار على ما عينه في كتاب وقفه ، وجعلها وقفا على أولاد السلطان الملك المؤيد شيخ ، فلما مات المؤيد عاد ذلك إلى وقف فتح الله.
فتح الله بن معتصم بن نفيس الإسرايلي الداوديّ العنانيّ التبريزيّ ، رئيس الأطباء ، وكاتب السرّ ، ولد بتبريز في سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، وكان قد قدم جدّه نفيس إلى القاهرة في سنة أربع وخمسين ، فأسلم وعظم بين الناس ، ثم قدم فتح الله مع أبيه فنشأ بالقاهرة في كفالة عمه ، ونظر في الطب وعاشر الفقهاء واتصل بصحبة بعض الأمراء ، فعرف منه أحد مماليكه ، وكان يسمى بشيخ ، فلما تأمّر شيخ فرّبه وأنكحه وفوّض إمر ديوانه ، ثم مات عمه بديع ابن نفيس ، فأقرّه الملك الظاهر برقوق مكانه في رياسة الأطباء فباشرها مباشرة مشكورة ، واختص بالملك الظاهر برقوق اختصاصا كبيرا ، فلما مات بدر الدين محمود الكلسانيّ قلده وظيفة كتابة السرّ ، وخلع عليه في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة ، ومات الظاهر وقد جعله أحد أوصيائه ، فما زال إلى أوائل ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانمائة فقبض عليه واستقرّ بدله في كتابة السر سعد الدين إبراهيم بن غراب ، وضرب حتى حمل مالا ثم أفرج عنه فلزم داره إلى شهر رمضان ، فحمل إلى دار الوزير فخر الدين ماجد بن غراب وألزم بمال آخر ، فحمله وأطلق ، فقام الأمير جمال الدين يوسف الأستادار في أمره ، وما زال بالملك الناصر فرج إلى أن أعاده إلى كتابة السرّ في أوائل ذي الحجة فاستقرّ فيها ، وتمكن من أعدائه وأراه الله مصارعهم ، واتسعت أحواله وانفرد بسلطانه وأنيط به جلّ الأمور ، فأصبح عظيم المصر نافذ الأمر قائما بتدبير الدولة ، لا يجد أحد من عظماء الدولة بدا من حسن سفارته ، وأبدا للناس دينا وخيرا وتواضعا ، وحسن وساطة بين الناس وبين السلطان ، فلما كان من أمر الناصر وهزيمته على اللجون ما كان ، وقع فتح الله مع الخليفة المستعين بالله العباسي ابن محمد المتوكل على الله وعدّة من كتاب الدولة في قبضة الأميرين شيخ ونوروز ، وما زال عند هما حتى قتل الناصر وأقيم من بعده أمير المؤمنين المستعين بالله ، وهو على حاله من نفوذ الكلمة وتدبير الأمور ، فلما استبدّ الأمير شيخ بمملكة الديار المصرية واعتقل الخليفة وتلقب بالملك المؤيد شيخ في شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة ، أقرّ فتح الله على رتبته ، ثم قبض عليه يوم الخميس تاسع شوال ، وعوقب غير مرّة ، وأحيط بجميع أمواله وأسبابه وحواشيه ، وبيع عليه بعض ما وجد له ، وحمل ما تحصل منه فبلغ ما ينيف عن أربعين ألف دينار ، سوى ما أخذ مما لم يبع ، وهو ما يتجاوز ذلك ، وما زال في العقوبة إلى أن خنق في ليلة الأحد خامس عشر شهر ربيع سنة ست عشرة وثمانمائة ، وحمل من الغد إلى تربته فدفن بها ، وكان رحمهالله من خير أهل زمانه رياضة وديانة وطيب مقال ، وتأله وتنسك ومحبة لسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحسن قيام مع السلطان في أمر الناس ، وبه كفى الله عن الناس من شرّ الناصر فرج شيئا كثيرا ، وقد ذكرته