يسكنها وهو من الأجناد ، وعند ما كملت عمارة هذه الدار وقفها وأشهد عليه بوقفها اثنين وتسعين عدلا ، من جملتهم قاضي القضاة تقيّ الدين ابن دقيق العيد ، وقاضي القضاة تقيّ الدين بن بنت الأعز ، وقاضي القضاة تقيّ الدين بن رزين ، قبل ولايتهم القضاء في حال تحملهم الشهادة ، وما زالت بيد ورثة بيسرى إلى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
فشرهت نفس الأمير قوصون إلى أخذها ، وسأل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في ذلك فأذن له في التحدّث مع ورثة بيسرى ، فأرسل إليهم ووعدهم ومنّاهم وأرضاهم حتى أذعنوا له ، فبعث السلطان إلى قاضي القضاة شرف الدين الحرّانيّ الحنبليّ يلتمس منه الحكم باستبدالها ، كما حكم باستبدال بيت قتال السبع وحمامّه الذي أنشأ جامعه بخط خارج الباب الجديد من الشارع ، فأجاب إلى ذلك ، ونزل إليها علاء الدين بن هلال الدولة شادّ الدواوين ، ومعه شهود لقيمة ، فقوّمت بمائة ألف درهم وتسعين ألف درهم نقرة ، وتكون الغبطة للأيتام عشرة آلاف درهم نقرة لتتم الجملة مائتي ألف درهم نقرة ، وحكم قاضي القضاة شرف الدين الحرّانيّ ببيعها وكان هذا الحكم مما شنع عليه فيه.
ثم اختلفت الأيدي في الاستيلاء على هذه الدار ، واقتدى القضاة بعضهم ببعض في الحكم باستبدالها ، وآخر ما حكم به من استبدالها في أعوام بضع وثمانين وسبعمائة ، فصارت من جملة الأوقاف الظاهرية برقوق ، وهي الآن بيد ابنة بيرم ، وكان لها باب بوّابته من أعظم ما عمل من البوابات بالقاهرة ، ويتوصل إلى هذه الدار من هذا الباب ، وهو بجوار حمام بيسرى من شارع بين القصرين ، وقد بنى تجاه هذا الباب حوانيت حتى خفي وصار يدخل إلى هذه الدار من باب آخر بخط الخرشتف.
بيسرى : الأمير شمس الدين الشمسي الصالحي البخمي ، أحد مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب البحرية ، تنقل في الخدم حتى صار من أجلّ الأمراء في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ ، واشتهر بالشجاعة والكرم وعلو الهمة ، وكانت له عدّة مماليك راتب كل واحد منهم مائة رطل لحم ، وفيهم من له عليه في اليوم ستين عليقة لخيله ، وبلغ عليق خيله وخيل مماليكه في كل يوم ثلاثة آلاف عليقة سوى علف الجمال ، وكان ينعم بالألف دينار وبالخمسمائة غير مرّة ، ولما فرّق الملك العادل كتبغا المماليك على الأمراء بعث إليه بستين مملوكا ، فأخرج إليهم في يومهم لكل واحد فرسين وبغلا وشكا إليه استادار مكثرة خرجه وحسن له الاقتصاد في النفقة ، فحنق عليه وعزله وأقام غيره ، وقال لا يرني وجهه أبدا ، ولم يعرف عنه أنه شرب الماء في كوز واحد مرّتين ، وإنما يشرب كل مرّة في كوز جديد ، ثم لا يعاود الشرب منه ، وتنكر عليه الملك المنصور قلاوون فسجنه في سنة ثمانين وستمائة ، وما زال في سجنه إلى أن مات الملك المنصور وقام من بعده ابنه الملك الأشرف خليل ، فأفرج عنه في سنة اثنين وتسعين وستمائة بعد عوده من دمشق بشفاعة الأمير بيدرا والأمير سنجر