الشجاعيّ ، وأمر أن يحمل إليه تشريف كامل ويكتب له منشور بإمرة مائة فارس ، وأنه يلبس التشريف من السجن ، فجهز التشريف وحمل إليه المنشور في كيس حرير أطلس ، وعظم فيه تعظيما زائدا وأثنى عليه ثناء جما ، وسار إليه بيدر والشجاعيّ والدوادار والأفرم إلى السجن ليمشوا في خدمته إلى أن يقف بين يدي السلطان ، فامتنع من لبس التشريف والتزم بأيمان مغلظة أنه لا يدخل على السلطان إلا بقيده ولباسه الذي كان عليه في السجن ، وتسامعت الأمراء وأهل القلعة بخروجه فهرعوا إليه ، وكان لخروجه نهار عظيم ، ودخل على السلطان بقيده فأمر به ففك بين يديه وأفيض عليه التشريف ، فقبّل الأرض ، وأكرمه السلطان وأمره فنزل إلى داره ، وخرج الناس إلى رؤيته وسرّوا بخلاصه ، فبعث إليه السلطان عشرين فرسا وعشرين اكديشا وعشرين بغلا ، وأمر جميع الأمراء أن يبعثوا إليه ، فلم يبق أحد حتى سير إليه ما يقدر عليه من التحف والسلاح ، وبعث إليه أمير سلاح ألفي دينار عينا. وكانت مدّة سجنه إحدى عشرة سنة وأشهرا.
فصار يكتب بعد خروجه من السجن بيسرى الأشرفي بعد ما كان يكتب بيسري الشمسيّ ، وما زال إلى أن تسلطن الملك المنصور لاجين ، فأخذ الأمير منكرتمر يغريه بالأمير بيسرى ويخوّفه منه وأنه قد تعين للسلطنة ، فعمله كاشف الجيزة وأمره أن يحضر الخدمة يومي الاثنين والخميس بالقلعة ، ويجلس رأس الميمنة تحت الطواشي حسام الدين بلال المغيثي لأجل كبره وتقدّمه ، ثم زاد منكرتمر في الإغراء به والسلطنة تستمهله إلى أن قبض عليه وسجنه في سنة سبع وتسعين وستمائة ، وأحاط بسائر موجوده وحبس عدّة من مماليكه ، فسر منكرتمر بمسكه سرورا عظيما ، واستمرّ في السجن إلى أن مات في تاسع عشر شوّال سنة ثمان وتسعين وستمائة وعليه ديون كثيرة ، ودفن بتربته خارج باب النصر رحمهالله تعالى.
قصر بشتاك : هذا القصر هو الآن تجاه الدار البيسرية ، وهو من جملة القصر الكبير الشرقيّ الذي كان مسكنا للخفاء الفاطميين ، ويسلك إليه من الباب الذي كان يعرف في أيام عمارة القصر الكبير في زمن الخلفاء بباب البحر ، وهو يعرف اليوم بباب قصر بشتاك ، تجاه المدرسة الكاملية ، وما زال إلى أن اشتراه الأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ المعروف بأمير سلاح ، وأنشأ دورا واصطبلات ومساكن له ولحواشيه ، وصار ينزل إليه هو والأمير بدر الدين بيسرى عند انصرافهما من الخدمة السلطانية بقلعة الجبل في موكب عظيم زائد الحشمة ، ويدخل كل منهما إلى داره ، وكان موضع هذا القصر عدّة مساجد فلم يتعرّض لهدمها وأبقاها على ما هي عليه ، فلما مات أمير سلاح وأخذ الأمير قوصون الدار البيسرية كما تقدّم ذكره ، أحب الأمير بشتاك أن يكون له أيضا دار بالقاهرة ، وذلك أن قوصون وبشتاك كانا يتناظران في الأمور ويتضادّان في سائر الأحوال ، ويقصد كل منهما أن يسامي الآخر ويزيد عليه في التجمل ، فأخذ بشتاك يعمل في الاستيلاء على قصر أمير سلاح حتى اشتراه من ورثته ، فأخذ