من السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون قطعة أرض كانت داخل هذا القصر من حقوق بيت المال ، وهدم دارا كانت قد أنشئت هناك. عرفت بدار قطوان الساقي ، وهدم أحد عشر مسجدا وأربعة معابد كانت من آثار الخلفاء يسكنها جماعة الفقراء ، وأدخل ذلك في البناء إلّا مسجدا منها فإنه عمر ، ويعرف اليوم بمسجد النجل ، فجاء هذا القصر من أعظم مباني القاهرة ، فإن ارتفاعه في الهواء أربعون ذراعا ، ونزول أساسه في الأرض مثل ذلك ، والماء يجري بأعلاه ، وله شبابيك من حديد تشرف على شارع القاهرة وينظر من أعلاه عامّة القاهرة والقلعة والنيل والبساتين ، وهو مشرق جليل مع حسن بنائه وتأنق زخرفته والمبالغة في تزويقه وترخيمه ، وأنشأ أيضا في أسفله حوانيت كان يباع فيها الحلوى وغيرها ، فصار الأمر أخيرا كما كان أوّلا بتسمية الشارع بين القصرين ، فإنه كان أوّلا كما تقدّم بالقاهرة القصر الكبير الشرقي الذي قصر بشتاك من جملته ، وتجاهه القصر الغربيّ الذي الخرشتف من جملته ، فصار قصر بشتاك وقصر بيسرى وما بينهما من الشارع يقال له بين القصرين ، ومن لا علم له يظنّ إنما قيل لهذا الشارع بين القصرين لأجل قصر بيسرى وقصر بشتاك وليس هذا بصحيح ، وإنما قيل له بين القصرين قبل ذلك من حين بنيت القاهرة ، فإنه كان بين القصرين القصر الكبير الشرقيّ والقصر الصغير الغربيّ ، وقد تقدّم ذلك مشروحا مبينا.
ولما أكمل بشتاك بناء هذا القصر والحوانيت التي في أسفله والخان المجاور له في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة لم يبارك له فيه ولا تمتع به ، وكان إذا نزل إليه ينقبض صدره ولا تنبسط نفسه ما دام فيه حتى يخرج منه ، فترك المجىء إليه فصار يتعاهده أحيانا فيعتريه ما تقدّم ذكره ، فكرهه وباعه لزوجة بكتمر الساقي وتداوله ورثتها إلى أن أخذه السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ، فاستقرّ بيد أولاده إلى أن تحكم الأمير الوزير المشير جمال الدين الأستادار في مصر. أقام من شهد عند قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحنفي بأن هذا القصر يضرّ بالجار والمار ، وأنه مستحق للإزالة والهدم كما عمل ذلك في غير موضع بالقاهرة ، فحكم له باستبداله وصار من جملة أملاكه ، فلما قتله الملك الناصر فرج بن برقوق استولى على سائر ما تركه وجعل هذا القصر فيما عينه للتربة التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر ، فاستمرّ في جملة أوقاف التربة المذكورة إلى أن قتل الملك الناصر بدمشق في حرب الأمير شيخ والأمير نوروز ، وقدم الأمير شيخ إلى مصر هو والخليفة المستعين بالله العباسي ابن محمد ، وقف له من بقي من أولاد جمال الدين وأقاربه ، وكان لأهل الدولة يومئذ بهم عناية قاضي القضاة صدر الدين عليّ بن الأدميّ الحنفيّ بارتجاع أملاك جمال الدين التي وقفها على ما كانت عليه ، فتسلمها أخوه وصار هذا القصر إليهم وهو الآن بيدهم.
قصر الحجازية : هذا القصر بخط رحبة باب العيد بجوار المدرسة الحجازية ، كان يعرف أوّلا بقصر الزمرد في أيام الخلفاء الفاطميين ، من أجل أنّ باب القصر الذي كان يعرف