بباب الزمرد كان هناك ، كما تقدّم ذكره في هذا الكتاب عند ذكر القصور ، فلما زالت الدولة الفاطمية صار من جملة ما صار بيد ملوك بني أيوب ، واختلفت عليه الأيدي إلى أن اشتراه الأمير بدر الدين أمير مسعود بن خطير الحاجب من أولاد الملوك بني أيوب ، واستمرّ بيده إلى أن رسم بتسفيره من مصر إلى مدينة غزة ، واستقرّ نائب السلطنة بها في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وكاتب الأمير سيف الدين قوصون عليه وملّكه إيّاه ، فشرع في عمارة سبع قاعات لكل قاعة اصطبل ومنافع ومرافق ، وكانت مساحة ذلك عشرة أفدنة ، فمات قوصون قبل أن يتم بناء ما أراد من ذلك ، فصار يعرف بقصر قوصون إلى أن اشترته خوند تتر الحجازية ابنة الملك الناصر محمد بن قلاوون وزوج الأمير ملكتمر الحجازيّ ، فعمرته عمارة ملوكية وتأنقت فيه تأنقا زائدا ، وأجرت الماء إلى أعلاه ، وعملت تحت القصر إصطبلا كبيرا لخيول خدّامها ، وساحة كبيرة يشرف عليها من شبابيك حديد ، فجاء شيئا عجيبا حسنه ، وأنشأت بجواره مدرستها التي تعرف إلى اليوم بالمدرسة الحجازية ، وجعلت هذا القصر من جملة ما هو موقوف عليها ، فلما ماتت سكنه الأمراء بالأجرة إلى أن عمر الأمير جمال الدين يوسف الأستادار داره المجاورة للمدرسة السابقية ، وتولى استادارية الملك الناصر فرج ، صار يجلس برحبة هذا القصر والمقعد الذي كان بها ، وعمل القصر سجنا يحبس فيه من يعاقبه من الوزراء والأعيان ، فصار موحشا يروع النفوس ذكره لما قتل فيه من الناس خنقا وتحت العقوبة ، من بعد ما أقام دهرا وهو مغنى صبابات وملعب أتراب وموطن أفراح ودار عز ومنزل لهو ومحل أماني النفوس ولذاتها ، ثم لما فحش كلب جمال الدين وشنع شرهه في اغتصاب الأوقاف أخذ هذا القصر يتشعث شيء من زخارفه ، وحكم له قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحنفي باستبداله ، كما تقدّم الحكم في نظائره ، فقلع رخامه ، فلما قتل صار معطلا مدّة ، وهمّ الملك الناصر فرج ببنائه رباطا ، ثم انثنى عزمه عن ذلك ، فلما عزم على المسير إلى محاربة الأمير شيخ والأمير نوروز في سنة أربع عشرة وثمانمائة ، نزل إليه الوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن البشيري وقلع شبابيكه الحديد لتعمل آلات حرب ، وهو الآن بغير رخام ولا شبابيك ، قائم على أصوله لا يكاد ينتفع به ، إلا أن الأمير المشير بدر الدين حسن بن محمد الأستادار لما سكن في بيت الأمير جمال الدين جعل ساحة هذا القصر اصطبلا لخيوله ، وصار يحبس في هذا القصر من يصادره أحيانا.
وفي رمضان سنة عشرين وثمانمائة ذكر الأمير فخر الدين عبد الغنيّ بن أبي الفرج الأستادار ، ما يجده المسجونون في السجن المستجدّ ، عند باب الفتوح ، بعد هدم خزانة شمائل من شدّة الضيق وكثرة الغم ، فعبّن هذا القصر ليكون سجنا لأرباب الجرائم ، وأنعم على جهة وقف جمال الدين بعشرة آلاف درهم فلوسا عن أجرة سنتين ، فشرعوا في عمل سجن وأزالوا كثيرا من معالمه ، ثم ترك على ما بقي فيه ولم يتخذ سجنا.
قصر يلبغا اليحياوي : هذا القصر موضعه الآن مدرسة السلطان حسن المطلة على