والأمير بشتاك ، والأمير طقوزدمر أمير مجلس في آخرين ، وحضر لبقية الأمراء خلع وأقبية على قدر مراتبهم ، فلبس الجميع التشاريف والخلع والأقبية واركبوا الخيول المحضرة إليهم من الإصطبل السلطانيّ بسروج وكنابيش ما بين ذهب وفضة بحسب مراتبهم ، وساروا إلى منازلهم ، وذبح في هذا المهمّ ستمائة رأس غنم وأربعون بقرة وعشرون فرسا ، وعمل فيه ثلثمائة قنطار سكر برسم المشروب ، فإن القوم يومئذ لم يكونوا يتظاهرون بشرب الخمر ولا شيء من المسكرات البتة ، ولا يجسر أحد على عمله في مهمّ البتة ، وما زالت هذه الدار باقية إلى أن هدمها السلطان الملك الناصر حسن ، وأنشأ موضعها مدرسته الموجودة الآن.
إصطبل قوصون : هذا الإصطبل بجوار مدرسة السلطان حسن وله بابان ، باب من الشارع بجوار حدرة البقر ، وبابه الآخر تجاه باب السلسلة الذي يتوصل منه إلى الإصطبل السلطانيّ وقلعة الجبل ، أنشأه الأمير علم الدين سنجر الجمقدار ، فأخذه منه الأمير سيف الدين قوصون وصرف له ثمنه من بيت المال ، فزاد فيه قوصون إصطبل الأمير سنقر الطويل ، وأمره الملك الناصر محمد بن قلاوون بعمارة هذا الإصطبل ، فبنى فيه كثيرا وأدخل فيه عدّة عمائر ، ما بين دور وإصطبلات ، فجاء قصرا عظيما إلى الغاية ، وسكنه الأمير قوصون مدّة حياة الملك الناصر.
فلما مات السلطان وقام من بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر ، عمل عليه قوصون وخلعه وأقام بعده بدله الملك الأشرف كجك بن الملك الناصر محمد ، فلما كان في سنة اثنين وأربعين وسبعمائة حدث في شهر رجب منها فتنة بين الأمير قوصون وبين الأمراء ، وكبيرهم أيدغمش أميراخور ، فنادى أيدغمش في العامة يا كسابه عليكم بإصطبل قوصون ، إنهبوه ، هذا وقوصون محصور بقلعة الجبل ، فأقبلت العامّة من السؤال والغلمان والجند إلى إصطبل قوصون ، فمنعهم المماليك الذين كانوا فيه ورموهم بالنشاب وأتلفوا منهم عدّة ، فثارت مماليك الأمير يلبغا اليحياوي من أعلى قصر يلبغا ، وكان بجوار قصر قوصون حيث مدرسة السلطان حسن ، ورموا مماليك قوصون بالنشاب حتى انكفوا عن رمي النّهابة ، فاقتحم غوغاء الناس إصطبل وقوصون وانتهبوا ما كان بركاب خاناته وحواصله ، وكسروا باب القصر بالفؤس ، وصعدوا إليه بعد ما تسلقوا إلى القصر من خارجه ، فخرجت مماليك قوصون من الإصطبل يدا واحدة بالسلاح وشقوا القاهرة وخرجوا إلى ظاهر باب النصر (١) يريدون الأمراء الواصلين من الشام ، فأتت النهابة على جميع ما في إصطبل قوصون من الخيل والسروج وحواصل المال التي كانت بالقصر ، وكانت تشتمل من أنواع المال والقماش
__________________
(١) في النجوم الزاهرة ٤ / ٣٩ : باب النصر : يخرج منه إلى الرحبة وهو عند باب سعيد السعداء ودكاكين العطارين الآن.
وفي ٤ / ٤٠ : وأما باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح فبناها الوزير الأفصل ابن أمير الجيوش.