قطليجا الحمويّ في نيابة حلب ، رسم له الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون بنيابة حلب ، فوصل إليها يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رجب سنة خمسين وسبعمائة ، وعمل النيابة بها على أحسن ما يكون من الحرمة والمهابة ، وهابه التركمان والعرب ، ومشت الأحوال به.
ثم جرت له فتنة مع أمراء حلب ، فخرج في نفر يسير إلى دمشق ، فوصلها لثلاث بقين من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين ، فأكرمه الأمير ايتمش الناصريّ نائب دمشق وجهّزه إلى مصر ، فأنعم عليه السلطان وأعاده إلى نيابة حلب فأقام بها إلى أن عزل ايتمش من نيابة دمشق ، في أوّل سلطنة الملك الصالح صالح بن قلاون ، فنقل من نيابة حلب إلى نيابة دمشق ، فدخلها في حادي عشري شعبان سنة اثنتين وخمسين ، وأقام بها فلم يصف له بها عيش فاستعفى ، فلم يجبّ وما زال بها إلى أن خرج يلبغاروس وحضر إلى دمشق ، فخرج إلى اللّد ، واستولى يلبغاروس على دمشق.
فلما خرج الملك الصالح من مصر وسار إلى بلاد الشام بسبب حركة يلبغاروس ، تلقّاه أرغون وسار بالعساكر إلى دمشق ، ودخل السلطان بعده وقد فرّ يلبغاروس ، فقلّده نيابة حلب في خامس عشري شهر رمضان. وعاد السلطان إلى مصر ، فلم يزل الأمير أرغون بحلب وخرج منها إلى الأبلستين (١) في طلب ابن دلغادر ، وحرقها وحرق قراها ودخل إلى قيصرية وعاد إلى حلب في رجب سنة أربع وخمسين.
فلما خلع الملك الصالح بأخيه الملك الناصر حسن في شوال سنة خمس وخمسين طلب الأمير أرغون من حلب في آخر شوّال ، فحضر إلى مصر وعمل أمير مائة مقدّم ألف إلى تاسع صفر سنة ست وخمسين ، فأمسك وحمل إلى الإسكندرية اعتقل فيها وعنده زوجته. ثم نقل من الإسكندرية إلى القدس فأقام بها بطالا ، وبنى هناك تربة ومات بها يوم الخميس لخمس بقين من شوّال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.
دار طاز : هذه الدار بجوار المدرسة البندقدارية تجاه حمام الفارقاني ، على يمنة من سلك من الصليبة يريد حدرة البقر وباب زويلة ، أنشأها الأمير سيف الدين طاز في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، وكان موضعها عدّة مساكن ، هدمها برضى أربابها وبغير رضاهم ، وتولى الأمير منجك عمارتها وصار يقف عليها بنفسه حتى كملت ، فجاءت قصرا مشيدا واصطبلا كبيرا ، وهي باقية إلى يومنا هذا يسكنها الأمراء. وفي يوم السبت سابع عشري جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ، عمل الأمير طاز في هذه الدار وليمة عظيمة حضرها السلطان الملك الصالح صالح وجميع الأمراء ، فلما كان وقت انصرافهم قدّم الأمير طاز للسلطان أربعة أفراس بسروج ذهب وكنابيش ذهب ، وقدّم للأمير سنجر فرسين كذلك ،
__________________
(١) الأبلستين : هي ما كان يطلق عليها اسم «أرابيسو» وموقعها في الشرق من قيصرية وتعد من مدن الثغور في أيام الروم. النجوم الزاهرة ج ٧ ص ١٥.