الناصري نائب حلب بعساكر الشام إلى مصر وأزال دولة الملك الظاهر برقوق ، في جمادى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، قبض عليه ونفاه من القاهرة إلى غزة ، ثم عاد بعد ذلك إلى القاهرة وأقام بها إلى أن مات بهذه الدار في يوم عيد الفطر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ، وحصرت تركته وكان فيها عدّة كتب في أنواع من العلوم ، وهذه الدار باقية إلى يومنا هذا وعلى بابها بئر بجانبها حوض يملأ لشرب الدواب منه.
دار ابن رجب : هذه الدار من جملة أراضي البستان الذي يقال له اليوم الكافوري ، كان إصطبلا للأمير علاء الدين عليّ بن كلفت التركمانيّ شادّ الدواوين ، فيما بين داره ودار الأمير تنكز نائب الشام. فلما استقر ناصر الدين محمد بن رجب في الوزارة ، أنشأ هذا الإصطبل مقعدا صار يجلس فيه ، وقصرا كبيرا ، واستولى من بعده على ذلك كله أولاده ، فلما عمر الأمير جمال الدين يوسف الأستادار مدرسته بخط رحبة باب العيد ، أخذ هذا القصر والإصطبل في جملة ما أخذ من أملاك الناس وأوقافهم. فلما قتله الملك الناصر فرج ، واستولى على جميع ما خلفه أفرد هذا القصر والإصطبل فيما أفرده للمدرسة المذكورة ، فلم يزل من جملة أوقافها إلى أن قتل الملك الناصر فرج ، وقدم الأمير شيخ نائب الشام إلى مصر ، فلما جلس على تخت الملك وتلقب بالملك المؤيد في غرّة شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة ، وقف إليه من بقي من أولاد علاء الدين عليّ بن كلفت ، وهما امرأتان ، كانت إحداهما تحت الملك المؤيد قبل أن يلي نيابة طرابلس ، وهو من جملة أمراء مصر في أيام الملك الظاهر برقوق ، وذكرتا أن الأمير جمال الدين الاستادار أخذ وقف أبيهما بغير حق ، وأخرجتا كتاب وقف أبيهما ، ففوّض أمر ذلك لقاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقينيّ الشافعيّ ، فلم يجد بيد أولاد جمال الدين مستندا ، فقضى بهذا المكان لورثة ابن كلفت وبقائه على ما وقفه حسبما تضمنه كتاب وقفه ، فتسلم مستحقوا وقف بن كلفت القصر والاصطبل ، وهو الآن بأيديهم ، وبينهم وبين أولاد ابن رجب نزاع في القصر فقط.
محمد بن رجب : ابن محمد بن كلفت الأمير الوزير ناصر الدين ، نشأ بالقاهرة على طريقة مشكورة ، فلما استقرّ ناصر الدين محمد بن الحسام الصفدي شادّ الدواوين بعد انتقال الأمير جمال الدين محمود بن عليّ من شدّ الدواوين إلى استادارية السلطان في يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة تسعين وسبعمائة ، أقام ابن رجب هذا استادارا عند الأمير سودون باق ، وكانت أوّل مباشراته ، ثم ولي شدّ الدواوين بعد الأمير ناصر الدين محمد بن اقبغا آص ، في سابع عشرى ذي الحجة ، وعوّض في شدّ الدواوين بشد دواليب الخاص ، عوضا عن خاله الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام ، عند انتقاله إلى الوزارة ، فلم يزل إلى أن توجّه الملك الظاهر برقوق إلى الشام ، وأقام الأمير محمود الاستادار ، فقدم عليه ابن رجب بكتاب السلطان وهو مختوم ، فإذا فيه أن يقبض على ابن رجب ويلزمه بحمل مبلغ مائة