وغلالا وخزائن ما بين أشربة وأطعمة قوّمت بأربعة آلاف ألف دينار سوى ما جهّز به ابنته وهو ما قيمته مائتا ألف دينار ، وخلّف ثمانمائة حظيّة سوى جواري الخدمة ، فلم يتعرّض العزيز لشيء ممّا يملكه أهله وجواريه وغلمانه ، وأمر بحفظ جهاز ابنته إلى أن زوّجها وأجرى لمن في داره كلّ شهر ستمائة دينار للنفقة سوى الكسوة والجرايات وما يحمل إليهم من الأطعمة من القصر ، وأمر بنقل ما خلّفه إلى القصر ، فلمّا تمّ له من يوم وفاته شهر قطع الأمير منصور بن العزيز جميع مستغلّاته ، وأقرّ العزيز جميع ما فعله الوزير وما ولّاه من العمّال على حاله ، وأجرى الرسوم التي كان يجريها ، وأقرّ غلمانه على حالهم وقال : هؤلاء صنائعي. وكانت عدّة غلمان الوزير أربعة آلاف غلام عرفوا بالطائفة الوزيريّة ، وزاد العزيز أرزاقهم عمّا كانت عليه ، وأدناهم ، وإليهم تنسب الوزيريّة ، فإنّها كانت مساكنهم. واتّفق أنّ الوزير عمّر قبّة أنفق عليها خمسة عشر ألف دينار ، وآخر ما قال : لقد طال أمر هذه القبّة ، ما هذه قبّة ، هذه تربة. فكانت كذلك ، ودفن تحتها ، وموضع قبره اليوم المدرسة الصاحبيّة ، واتّفق أنّه وجد في داره رقعة مكتوب فيها :
احذروا من حوادث الأزمان |
|
وتوقّوا طوارق الحدثان |
قد أمنتم ريب الزمان ونمتم |
|
ربّ خوف مكمن في الأمان |
فلمّا قرأها قال : لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ، ولم يلبث بعدها إلا أياما يسيرة ، ومرض فمات.
حارة الباطلية : عرفت بطائفة يقال لهم الباطلية ، قال ابن عبد الظاهر : وكان المعزّ لما قسم العطاء في الناس جاءت طائفة فسألت عطاء فقيل لها : افرغ ما كان حاضرا ، ولم يبق شيء ؛ فقالوا : رحنا نحن في الباطل ، فسمّوا الباطليّة ، وعرفت هذه الحارة بهم. وفي سنة ثلاث وستّين وستّمائة احترقت حارة الباطليّة عند ما كثر الحريق في القاهرة ومصر ، واتّهم النصارى بفعل ذلك ، فجمعهم الملك الظاهر بيبرس ، وحملت لهم الأحطاب الكثيرة والحلفاء ، وقدّموا ليحرقوا بالنار ، فتشفّع لهم الأمير فارس الدين أقطاي أتابك (١) العساكر على أن يلتزموا بالأموال التي احترقت وأن يحملوا إلى بيت المال خمسين ألف دينار فتركوا. وجرى في ذلك ما تستحسن حكايته ، وهو أنّه قد جمع مع النصارى سائر اليهود ، وركب السلطان ليحرقهم بظاهر القاهرة ، وقد اجتمع الناس من كلّ مكان للتشفّي بحريقهم لما نالهم من البلاء فيما دهوا به من حريق الأماكن لا سيّما الباطليّة ، فإنّها أتت النار عليها حتّى حرقت بأسرها. فلمّا حضر السلطان وقدم اليهود والنصارى ليحرقوا برز ابن الكازروني اليهوديّ ـ وكان صيرفيا ـ وقال للسلطان : سألتك بالله لا تحرقنا مع هؤلاء الكلاب الملاعين
__________________
(١) في صبح الأعشى ٤ / ١٨ : أتابك لفظة تركية بمعنى والد الأمير ، واصطلاحا هو مربي الأمير ومدبّر المملكة.