وقعد ليأكل ، فرأى جهاركس قاصده الذي سيره في خدمة الأفضل ، فدهش وأيقن بالشر ، فللحال استأذن الأفضل أن يتوجه إلى العرب المختلفين بأرض مصر ليصلح بينهم ، فأذن له وقام من فوره واجتمع بالأمير زين الدين قراجا ، والأمير أسد الدين قراسنقر ، وحسّن لهما مفارقة الأفضل ، فسارا معه إلى القدس وغلبوا عليه ، ووافقهم الأمير عز الدين أسامة ، والأمير ميمون القصري ، فقدم عليهم في سبعمائة فارس ، ولما صاروا كلمة واحدة كتبوا إلى الملك العادل يستدعونه للقيام باتابكية الملك المنصور محمد بن العزيز بمصر.
وأما الأفضل فإنه لما دخل من بلبيس إلى القهرة ، قام بتدبير الدولة ، وأمر الملك بحيث لم يبق للمنصور معه سوى مجرّد الاسم فقط ، وشرع في القبض على الطائفة الصلاحية أصحاب جهاركس ، ففرّوا منه إلى جهاركس بالقدس ، فقبض على من قدر عليه منهم ونهب أموالهم ، فلما زالت دولة الأفضل من مصر بقدوم الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، استولى فخر الدين جهاركس على بانياس (١) بأمر العادل ، ثم انحرف عنه وكانت له أنباء إلى أن مات ، فانقضى أمر الطائفة الصلاحية بموته وموت الأمير قارجا وموت الأمير أسامة ، كما انقضى أمر غيرهم.
قيسارية الفاضل : هذه القيسارية على يمنة من يدخل من باب زويلة ، عرفت بالقاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ البيسانيّ ، وهي الآن في أوقاف المارستان المنصوريّ ، أخبرني شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد العزيز العذريّ البشبيشيّ رحمهالله قال : أخبرني القاضي بدر الدين أبو إسحاق إبراهيم بن القاضي صدر الدين أبي البركات أحمد بن فخر الدين أبي الروح عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن المعروف بابن الخشاب : أن قيسارية الفاضل وقفت بضع عشرة مرّة ، منها مرّتين أو أكثر زف كتاب وقفها بالأغاني في شارع القاهرة ، وهي الآن تشتمل على قيسارية ذات بحرة ماء للوضوء بوسطها ، وأخرى بجانبها ، يباع فيها جهاز النساء وشوارهنّ ، ويعلوها ربع فيه عّدة مساكن.
قيسارية بيبرس : هذه القيسارية على رأس باب الجودرية من القاهرة ، كان موضعها دارا تعرف بدار الأنماط ، اشتراها وما حولها الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيريّ قبل ولايته السلطنة ، وهدمها وعمر موضعها هذه القيسارية والربع فوقها ، وتولى عمارة ذلك مجد الدين بن سالم الموقع ، فلما كملت طلب سائر تجارة قيسارية جهاركس ، وقيسارية الفاضل ، وألزمهم بإخلاء حوانيتهم من القيساريتين ، وسكناهم بهذه القيسارية ، وأكرههم على ذلك وجعل أجرة كل حانوت منها مائة وعشرين درهما نقرة ، فلم يسع التجار إلا استئجار حوانيتها ، وصار كثير منهم يقوم بأجرة الحانوت الذي ألزم به في هذه القيسارية من غير أن يترك حانوته الذي هو معه بإحدى القيساريتين المذكورتين ، ونقل أيضا صناع
__________________
(١) بانياس : بلدة على الساحل السوري جنوب جبله.