المذكور برّ كثير بالشام وبمصر ، وكان قد وصى أن تعمل داره وهي بخط حارة الأمراء مدرسة ، ويوقف الفندق الصغير عليها ، وكانت له ضعية بالشام بيعت للأمير سيف الدين أبي الحسن القيمريّ بجملة كبيرة ، وعمرت المدرسة المذكورة بعد وفاته. انتهى.
وقد أدركت فندق مسرور الكبير في غاية العمارة ، تنزله أعيان التجار الشاميين بتجاراتهم ، وكان فيه أيضا مودع الحكم الذي فيه أموال اليتامى والغياب ، وكان من أجلّ الخانات وأعظمها ، فلما كثرت المحن بخراب بلاد الشام منذ سنة تيمورلنك ، وتلاشت أحوال إقليم مصر ، قلّ التجار وبطل مودع الحكم ، فقلّت مهابة هذا الخان وزالت حرمته وتهدّمت عدّة أماكن منه ، وهو الآن بيد القضاة.
فندق بلال المغيثي : هذا الفندق فيما بين خط حمّام خشيبة وحارة العدوية ، أنشأه الأمير الطواشي أبو المناقب حسام الدين بلال المغيثي ، أحد خدّام الملك المغيث صاحب الكرك ، كان حبشيّ الجنس ، حالك السواد ، خدم عدّة من الملوك ، واستقرّ لالا الملك الصالح عليّ بن الملك المنصور قلاوون ، وكان معظما إلى الغاية ، يجلس فوق جميع أمراء الدولة ، وكان الملك المنصور قلاوون إذا رآه يقول : رحم الله أستاذنا الملك الصالح نجم الدين أيوب ، أنا كنت أحمل شارموزة هذا الطواشي حسام الدين كلما دخل إلى السلطان الملك الصالح حتى يخرج من عنده ، فأقدّمها له ، وكان كثير البرّ والصدقات وله أموال جزيلة ، ومدحه عدّة من الشعراء ، وأجاز على المديح ، وتجاوز عمره ثمانين سنة ، فلما خرج الملك الناصر محمد بن قلاون لقتال التتر في سنة تسع وتسعين وستمائة سافر معه ، فمات بالسوادة ودفن بها ، ثم نقل منها بعد وقعة شقحب إلى تربته بالقرافة فدفن هناك ، وما برح هذا الفندق يودع فيه التجار وأرباب الأموال صناديق المال ، ولقد كنت أدخل فيه فإذا بدائرة صناديق مصطفة ما بين صغير وكبير ، لا يفضل عنها من الفندق غير ساحة صغيرة بوسطه ، وتشتمل هذه الصناديق من الذهب والفضة على ما يجلّ وصفه ، فلما أنشأ الأمير الطواشي زين الدين مقبل الزمام الفندق بالقرب منه ، وأنشأ الأمير قلمطاي الفندق بالزجاجين ، وأخذ الأمير يلبغا السالميّ أموال الناس في واقعة تيمورلنك في سنة ثلاث وثمانمائة ، تلاشى أمر هذا الفندق وفيه إلى الآن بقية.
فندق الصالح : هذا الفندق بجوار باب القوس الذي كان أحد بابي زويلة ، فمن سلك اليوم من المسجد المعروف بسام بن نوح يريد باب زويلة ، صار هذا الفندق على يساره ، وأنشأه هو وما يعلوه من الربع ، الملك الصالح علاء الدين عليّ بن السلطان الملك المنصور قلاون ، وكان أبوه لما عزم على المسير إلى محاربة التتر ببلاد الشام ، سلطنه وأركبه بشعار السلطنة من قلعة الجبل في شهر رجب سنة تسع وسبعين وستمائة ، وشق به شارع القاهرة من باب النصر إلى أن عاد إلى قلعة الجبل ، وأجلسه على مرتبته ، وجلس إلى جانبه ،