فندق طرنطاي : هذا الفندق كان بخارج باب البحر ظاهر المقس ، وكان ينزل فيه تجار الزيت الواردون من الشام ، وكان فيه ستة عشر عمودا من رخام طول ، كل عمود ستة أذرع بذراع العمل ، في دور ذراعين ، ويعلوه ربع كبير ، فلما كان في واقعة هدم الكنائس وحريق القاهرة ومصر في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، قدم تاجر بعد العصر بزيت ، وزن في مكسه عشرين ألف درهم نقرة ، سوى أصناف أخر قيمتها مبلغ تسعين ألف درهم نقرة ، فلم يتهيأ له الفراغ من نقل الزيت إلى داخل هذا الفندق إلّا بعد العشاء الآخرة ، فلما كان نصف الليل ، وقع الحريق بهذا الفندق في ليلة من شهر ربيع الآخر منها ، كما كان يقع في غير موضع من فعل النصارى ، فأصبح وقد احترق جميعه حتى الحجارة التي كان مبنيا بها ، وحتى الأعمدة المذكورة ، وصارت كلها جيرا واحترق علوه ، وأصبح التاجر يستعطي الناس وموضع هذا الفندق.
ذكر الأسواق
قال ابن سيدة : والسوق التي يتعامل فيها تذكر وتؤنث ، والجمع أسواق ، وفي التنزيل : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) والسوقة لغة فيها ، والسوقة من الناس من لم يكن ذا سلطان ، الذكر والأنثى في ذلك سواء.
وقد كان بمدينة مصر والقاهرة وظواهرها من الأسواق شيء كثير جدّا ، قد باد أكثرها ، وكفاك دليلا على كثرة عددها أن الذي خرب من الأسواق فيما بين أراضي اللوق إلى باب البحر بالمقص ، اثنان وخمسون سوقا ، أدركناها عامرة ، فيها ما يبلغ حوانيته نحو الستين حانوتا ، وهذه الخطة من جملة ظاهر القاهرة الغربيّ ، فكيف ببقية الجهات الثلاث مع القاهرة ومصر ، وسأذكر من أخبار الأسواق ما أجد سبيلا إلى ذكره إن شاء الله تعالى.
القصبة : قال ابن سيدة : قصبة البلد ، مدينته ، وقيل معظمه. والقصبة هي أعظم أسواق مصر ، وسمعت غير واحد ممن أدركته من المعمرين يقول : أنّ القصبة تحتوي على اثني عشر ألف حانوت ، كأنهم يعنون ما بين أوّل الحسينية مما يلي الرمل إلى المشهد النفيسيّ ، ومن اعتبر هذه المسافة اعتبارا جيدا لا يكاد أن ينكر هذا الخبر. وقد أدركت هذه المسافة بأسرها عامرة الحوانيت غاصة بأنواع المآكل والمشارب والأمتعة ، تبهج رؤيتها ويعجب الناظر هيئتها ، ويعجز العادّ عن إحصاء ما فيها من الأنواع ، فضلا عن إحصاء ما فيها من الأشخاص ، وسمعت الكافة ممن أدركت يفاخرون بمصر سائر البلاد ويقولون : يرمى بمصر في كل يوم ألف دينار ذهبا على الكيمان والمزابل ، يعنون بذلك ما يستعمله اللبانون والجبانون والطباخون من الشقاف الحمر التي يوضع فيها اللبن ، والتي يوضع فيها الجبن ، والتي تأكل فيها الفقراء الطغام بحوانيت الطباخين ، وما يستعمله بياعوا الجبن من الخيط والحصر التي تعمل تحت الجبن في الشقاف ، وما يستعمله العطارون من القراطيس والورق