حبالا تمدّ بها عند الحرّ وتجمع بها إذا امتدّ الظل ، وجعلها مرتفعة في الجوّ حتى ينحرف الهواء ، ثم لما كان شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة نقلت الأقفاص منه إلى القيسارية التي استجدّت تجاه الصاغة.
سوق باب الزهومة : هذا السوق عرف بذلك من أجل أنه كان هناك في الأيام الفاطمية باب من أبواب القصر يقال له باب الزهومة ، تقدّم ذكره في ذكر أبواب القصر من هذا الكتاب. وكان موضع هذا السوق في الدولة الفاطمية سوق الصيارف ، ويقابله سوق السيوفيين ، من حيث الخشيبة إلى نحو رأس سوق الحريريين اليوم ، وسوق العنبر الذي كان إذ ذاك سجنا يعرف بالمعونة ، ويقابل السيوفيين إذ ذاك سوق الزجاجين ، وينتهي إلى سوق القشاشين الذي يعرف اليوم بالخرّاطين ، فلما زالت الدولة الفاطمية تغير ذلك كله ، فصار سوق السيوفيين من جوار الصاغة إلى درب السلسلة ، وبني فيما بين المدرسة الصالحية وبين الصاغة سوق فيه حوانيت مما يلي المدرسة الصالحية ، يباع فيها الأمشاط بسوق الأمشاطيين ، وفيه حوانيت فيما بين الحوانيت التي يباع فيها الأمشاط وبين الصاغة ، بعضها سكن الصيارف ، وبعضها سكن النقليين ، وهم الذين يبيعون الفستق واللوز والزبيب ونحوه ، وفي وسط هذا البناء سوق الكتبيين ، يحيط به سوق الأمشاطيين وسوق النقليين ، وجميع ذلك جار في أوقاف المارستان المنصوري.
وكان سوق باب الزهومة من أجلّ أسواق القاهرة أفخرها ، موصوفا بحسن المآكل وطيبها ، واتفق في هذا السوق أمر يستحسن ذكره لغرابته في زمننا ، وهو أنه عبر متولي الحسبة بالقاهرة في يوم السبت سادس عشر شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة على رجل بوارديّ بهذا السوق ، يقال له محمد بن خلف ، عنده مخزن فيه حمام وزرازير متغيرة الرائحة ، لها نحو خمسين يوما ، فكشف عنها فبلغت عدّتها أربعة وثلاثين ألفا ومائة وستة وتسعين طائرا ، من ذلك حمام ألف ومائة وستة وتسعون ، وزرازير ثلاثة وثلاثون ألفا كلها متغيرة اللون والريح ، فأدبه وشهره وفيه إلى الآن بقايا.
سوق المهامزيين : هذا السوق مما استجدّ بعد زوال الدولة الفاطمية ، وكان بأوّله حبس المعونة ، الذي عمله الملك المنصور قلاوون سوق العنبر ، ويقابله المارستان والوكالة ودار الضرب ، في الموضع الذي يعرف اليوم بدرب الشمسيّ ، وما بحذائه من الحوانيت إلى حمّام الخرّاطين ، وما تجاه ذلك. وهذا السوق معدّ لبيع المهاميز ، وأدركت الناس وهم يتخذون المهماز كله قالبه وسقطه من الذهب الخالص ، ومن الفضة الخالصة ، ولا يترك ذلك إلا من يتورع ويتدين فيتخذ القالب من الحديد ويطليه بالذهب أو الفضة ، ويتخذ السقط من الفضة ، وقد اضطرّ الناس إلى ترك هذا ، فقلّ من بقي سقط مهمازه فضة ، ولا يكاد يوجد اليوم مهماز من ذهب ، وكان يباع بهذا السوق البدلات الفضة التي كانت برسم