الأتراك ألبسه الشربوش ، وهو شيء يشبه التاج ، كأنه شكل مثلث يجعل على الرأس بغير عمامة ، ويلبس معه على قدر رتبته ، إمّا ثوب بخ ، أو طرد وحش ، أو غيره ، فعرف هذا السوق بالشرابشيين نسبة إلى الشرابيش المذكورة ، وقد بطل الشربوش في الدولة الجركسية.
وكان بهذا السوق عدّة تجار لشراء التشاريف والخلع وبيعها على السلطان في ديوان الخاص وعلى الأمراء ، وينال الناس من ذلك فوائد جليلة ، ويقتنون بالمتجر في هذا الصنف سعادات طائلة ، فلما كانت هذه الحوادث منع الناس من بيع هذا الصنف إلّا للسلطان ، وصار يجلس به قوم من عمال ناظر الخاص لشراء سائر ما يحتاج إليه ، ومن اشترى من ذلك شيئا سوى عمال السلطان فله من العقاب ما قدّر عليه ، والأمر على هذا إلى يومنا الذي نحن فيه.
وأوّل من عملته خلع عليه من أهل الدول جعفر بن يحيى البرمكيّ ، وذلك أنّ أمير المؤمنين هارون الرشيد قال في اليوم الذي انعقد له فيه الملك : يا أخي يا جعفر ، قد أمرت لك بمقصورة في داري ، وما يصلح لها من الفراش ، وعشر جوارتكن فيها ليلة مبيتك عندنا. فقال : يا أمير المؤمنين ما من نعمة متواترة ، ولا فضل متظاهر إلّا ورأي أمير المؤمنين أجمل وأتم ، ثم انصرف وقد خلع عليه الرشيد ، وحمل بين يديه مائة بدرة دراهم ودنانير ، وأمر الناس فركبوا إليه حتى سلموا عليه ، وأعطاه خاتم الملك ليختم به على ما يريد ، فبلغ بذلك صيته أقطار الأرض ، ووصل إلى ما لم يصل إليه كاتب بعده ، فاقتدي بالرشيد من بعده ، وخلعوا على أولياء دولتهم وولاة أعمالهم ، واستمرّ ذلك إلى اليوم.
وأوّل ما عرف شدّ السيوف في أوساط الجند : أنّ سيف الدين غازي بن عماد الدين أتابك زنكي بن أق سنقر صاحب الموصل ، أمر الأجناد أن لا يركبوا إلا بالسيوف في أوساطهم ، والدبابيس تحت ركبهم ، فلما فعل ذلك اقتدى به أصحاب الأطراف ، وهو أيضا أوّل من حمل على رأسه الصنجق في ركوبه ، وغازي هذا هو أخو الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ، ومات في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، وولي الموصل بعده أخوه قطب الدين مودود.
سوق الحوائصيين : هذا السوق يتصل بوسق الشرابشيين ، وتباع فيه الحوائص ، وهي التي كانت تعرف بالمنطقة في القديم ، فكانت حوائص الأجناد أوّلا أربعمائة درهم فضة ونحوها ، ثم عمل المنصور قلاوون حوائص الأمراء الكبار ثلثمائة دينار ، وأمراء الطبلخانات مائتي دينار ، ومقدّمي الحلقة من مائة وسبعين إلى مائة وخمسين دينارا ، ثم صار الأمراء والخاصكية في الأيام الناصرية وما بعدها يتخذون الحياصة من الذهب ، ومنها ما هو مرصع بالجوهر ، ويفرّق السلطان في كل سنة على المماليك من حوائص الذهب والفضة شيئا كثيرا ، وما زال الأمر على ذلك إلى أن ولي الناصر فرج ، فلما كان في أيام الملك المؤيد