شيخ ، قلّ ذلك ، ووجد في تركة الوزير الصاحب علم الدين عبد الله بن زنبور لما قبض عليه ستة آلاف حياصة ، وستة آلاف كلوتة جهاركس ، وما برح تجار هذا السوق من بياض العامة ، وقد قلّ تجار هذا السوق في زمننا وصار أكثر حوانيته يباع فيها الطواقي التي يلبسها الصبيان ، وصارت الآن من ملابس الأجناد.
سوق الحلاويين : هذا السوق معدّ لبيع ما يتخذ من السكر حلوى ، وإنما يعرف اليوم بحلاوة منوّعة ، وكان من أبهج الأسواق لما يشاهد في الحوانيت التي بها من الأواني وآلات النحاس الثقيلة الوزن البديعة الصنعة ذات القيم الكبيرة ، ومن الحلاوات المصنعة عدّة ألوان ، وتسمى المجمعة ، وشاهدت بهذا السوق السكّر ينادي عليه كل قنطار بمائة وسبعين درهما ، فلما حدثت المحن وغلا السكر لخراب الدواليب التي كانت بالوجه القبليّ ، وخراب مطابخ السكر التي كانت بمدينة مصر ، قلّ عمل الحلوى ، ومات أكثر صناعها ، ولقد رأيت مرّة طبقا فيه نقل وعدّة شقاف من خزف أحمر في بعضها لبن وفي بعضها أنواع الأجبان ، وفيما بين الشقاف الخيار والموز وكل ذلك من السكر المعمول بالصناعة ، وكانت أيضا لهم عدّة أعمال من هذا النوع يحير الناظر حسنها ، وكان هذا السوق في موسم شهر رجب من أحسن الأشياء منظرا ، فإنه كان يصنع فيه من السكر أمثال خيول وسباع وقطاط وغيرها ، تسمى العلاليق ، واحدها علاقة ترفع بخيوط على الحوانيت ، فمنها ما يزن عشرة أرطال إلى ربع رطل ، تشترى للأطفال ، فلا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده ، وتمتلىء أسواق البلدين مصر والقاهرة وأريافهما من هذا الصنف ، وكذلك يعمل في موسم نصف شعبان ، وقد بقي من ذلك إلى اليوم بقية غير طائلة ، وكذلك كانت تروق رؤية هذا السوق في موسم عيد الفطر لكثرة ما يوضع فيه من حب الخشكنانج. وقطع البسندود والمشاش ، ويشرع في عمل ذلك من نصف شهر رمضان فتملأ منه أسواق القاهرة ومصر والأرياف ، ولم ير في موسم سنة سبع عشرة وثمانمائة من ذلك شيء بالأسواق البتة ، فسبحان محيل الأحوال لا إله إلا هو.
سوق الشوّايين : هذا السوق أوّل سوق وضع بالقاهرة ، وكان يعرف بسوق الشرايحيين ، وهو من باب حارة الروم إلى سوق الحلاويين ، وما زال يعرف بسوق الشرايحيين إلى أن سكن فيه عدّة من بياعي الشواء ، في حدود السبعمائة من سني الهجرة ، فزالت عنه النسبة إلى الشرايحيين وعرف بالشوّايين ، وهو الآن سكن المتعيشين ، وانتقل سوق الشرايحيين في زماننا إلى خارج باب زويلة وعرف بالبسطيين ، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز ، وفي شهر صفر من سنة خمس وستين وثلاثمائة أنشئ سوق الشرايحيين بالقاهرة ، وذكر ذلك ابن عبد الظاهر في كتاب خطط القاهرة. وكان في القديم باب زويلة الذي وضعه القائد جوهر عند رأس حارة الروم ، حيث العقد المجاور الآن للمسجد الذي عرف اليوم بسام بن نوح ، وكان بجواره باب آخر موضعه