الآن سوق الماطيين ، فلما نقل أمير الجيوش باب زويلة إلى حيث هو الآن ، اتسع ما بين سوق الشرايحيين المذكور وبين باب زويلة الكبير ، وصار الآن فيه سوق الغرابليين ، وفيه عدّة حوانيت تعمل مناخل الدقيق والغرابيل ، ويقابلهم عدّة حوانيت يصنع فيها الأغلاق المعروفة بالضبب ، وما بعد ذلك إلى باب زويلة ، فيه كثير من الحوانيت يجلس ببعضها عدّة من الجبانين لبيع أنواع الجبن المجلوب من البلاد الشامية ، وأدركنا هناك إلى أن حدثت المحن من ذلك شيئا كثيرا يتجاوز الحد في الكثرة ، وفي بعض تلك الحوانيت قوم يجلسون لعلاج من عساه ينصدع له عظم أو ينكسر أو يصيبه جرح يعرفون بالمجبرين ، وهناك منهم بقية إلى يومنا هذا ، وبقية الحوانيت ما بين صيارفة وبياعي طرف ومتعيشين في المآكل وغيرها.
فهذه قصبة القاهرة ، وما في ظاهر باب زويلة فإنه خارج القاهرة والله تعالى أعلم.
الشارع خارج باب زويلة
هذا الشارع هو تجاه من خرج من باب زويلة ، ويمتدّ فيما بين الطريق السالك ذات اليمين إلى الخليج (١) ، وبين الطريق المسلوك فيه ذات اليسار إلى قلعة الجبل. ولم يكن هذا الشارع موجودا على ما هو عليه الآن عند وضع القاهرة ، وإنما حدث بعد وضعها بعدّة أعوم على غير هذه الهيئة ، فلما كثرت العمائر خارج باب زويلة بعد سنة سبعمائة من سني الهجرة صار على ما هو عليه الآن ، فأما أوّل أمره : فإن الخليفة الحاكم بأمر الله أنشأ الباب الجديد على يسرة الخارج من باب زويلة ، على شاطىء بركة الفيل ، وهذا الباب أدركت عقده عند رأس المنجبية بجوار سوق الطيور ، ثم لما اختطت حارة اليانسية وحارة الهلالية صار ساحل بركة الفيل قبالتها ، واتصلت العمائر من الباب الجديد إلى الفضاء الذي هو الآن خارج المشهد النفيسيّ ، فلما كانت الشدّة العظمى في خلافة المستنصر وخربت القطائع والعسكر ، صارت مواضعها خرابا إلى خلافة الآمر بأحكام الله ، فعمر الناس حتى صارت مصر والقاهرة لا يتخللهما خراب ، وبنى الناس في الشارع من الباب الجديد إلى الجبل عرضا حيث قلعة الجبل الآن ، وبنى حائط يستر خراب القطائع والعسكر ، فعمر من الباب الجديد طولا إلى باب الصفا بمدينة مصر ، حتى صار المتعيشون بالقاهرة والمستخدمون يصلون العشاء الآخرة بالقاهرة ويتوجهون إلى سكنهم في مصر ولا يزالون في ضوء وسرج وسوق موقود من الباب الجديد خارج باب زويلة إلى باب الصفا ، حيث الآن كوم الجارح ، والمعاش مستمرّ في الليل والنهار.
__________________
(١) في النجوم الزاهرة ٤ / ٤٥ : هو خليج قديم يسمى خليج مصر ، جدد حفره عمرو بن العاص بأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وكان حفره عام الرّمادة وهي سنة ست عشرة من الهجرة ، انظر النجوم ٤ / ٤٥.