ووقف القاضي الرئيس المختار العدل زكيّ الدين أبو العباس أحمد بن مرتضى بن سيد الأهل بن يوسف ، حصة من البستان الكبير المعروف يومئذ بالمخاريق الكبرى ، الكائن فيما بين القاهرة ومصر بعدوة الخليج على الفربات ، وشرط أنّ الناظر يشتري في كل فصل من فصول الشتاء من قماش الكتان الخام أو القطن ما يراه ، ويعمل ذلك جبابا وبغالطيقا محشوّة قطنا ، وتفرّق على الأيتام الذكور والإناث الفقراء غير البالغين بالشارع الأعظم ، خارج باب زويلة ، فيدفع لكل واحد جبة واحدة أو بغلطاقا ، فإن تعذر ذلك كان على الأيتام المتصفين بالصفات المذكورة بالقاهرة ومصر وقرافتيهما ، وكان هذا الوقف في سنة ستين وستمائة.
فلما كثرت العمائر خارج باب زويلة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون بعد سنة سبعمائة ، صار هذا الشارع أوّله تجاه باب زويلة وآخره في الطول الصليبة التي تنتهي إلى جامع ابن طولون وغيره ، لكنهم لا يريدون بالشارع سوى إلى باب القوس الذي بسوق الطيوريين ، وهو الباب الجديد ، وبعد باب القوس سوق الطيوريين ، ثم سوق جامع قوصون وسوق حوض ابن هنس وسوق ربع طفجي ، وهذه أسواق بها عدّة حوانيت ، لكنها لا تنتهي إلى عظم أسواق القاهرة ، بل تكون أبدا دونها بكثير ، فهذا حال القصبة والشارع خارج باب زويلة ، وقد بقيت عدّة أسواق في جانبي القصبة ، ولها أبواب شارعة وفيها أسواق أخر في نواحي القاهرة ، ومسالكها سيأتي ذكرها بحسب القدرة إن شاء الله تعالى.
سويقة أمير الجيوش : هذه السويقة الآن فيما بين حارة برجوان وحارة بهاء الدين ، كانت تعرف بسوق الخروقيين فيما بعد زوال الدولة الفاطمية ، وفي هذا السوق عمر الأمير مازكوج الأسدي مدرسته المعروفة الآن بالأكجية ، وأدركت الناس إلى هذا الزمن الذي نحن فيه لا يعرفون هذا السوق إلّا بسوق أمير الجيوش ، ويعبّرون عنه بصيغة التصغير ، ولا أعرف لهم مستندا في ذلك ، والذي تشهد به الأخبار أن سوق أمير الجيوش هو السوق الذي برأس حارة برجوان ، ويمتدّ إلى رأس سويقة أمير الجيوش الآن ، وهذه السويقة من أكبر أسواق القاهرة ، بها عدّة حوانيت ، فيها الرفاءون والحباكون ، وعدّة حوانيت للرسامين ، وعدّة حوانيت للفرّايين ، وعدّة حوانيت للخياطين ، ومعظمها لسكن البزازين والخلعيين ، وفيها عدّة من بياعي الأقباع ، ويباع في هذا السوق سائر الثياب المخيطة والأمتعة من الفرش ونحوها. وهو شارع من شوارع القاهرة ، يسلك فيه من باب الفتوح وبين القصرين وباب النصر إلى باب القنطرة وشاطيء النيل وغيره ، وكان ما بعد هذا السوق إلى باب القنطرة معمور الجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع الظرائف والمغازل والكتان والأنواع من المأكل والعطر وغيره ، وقد خرب أكثر هذه الحوانيت في سني المحنة وما بعدها ، ولسويقة أمير الجيوش عدّة قياسر وفنادق والله أعلم.
سوق الجملون الصغير : هذا السوق يسلك فيه من رأس سويقة أمير الجيوش إلى باب