قال ابن عبد الظاهر : وكانت الصاغة قديما فيما تقدّم مكان الأساكفة الآن ، وهو إلى الآن معروف بالصاغة القديمة ، وكان يعرف بسقيفة العداس ، كذا رأيت في كتب الأملاك ، وعرف هذا السوق في زماننا بالحريريين الشراربيين ، وعرف بعضه بسوق الزجاجين ، وكان يسكن فيه أيضا الأساكفة ، فلما أنشأ الأمير يونس الدوادار القيسارية على بئر زويلة بخط البندقانيين في أعوام بضع وثمانين وسبعمائة ، نقل الأساكفة من هذا الخط ، ونقل منه أيضا بياعي أخفاف النساء إلى قيساريته وحوانيته المذكورة.
سوق العنبريين : هذا السوق فيما بين سوق الحريريين الشراربيين وبين قيسارية العصفر ، وهو تجاه الخرّاطين ، كان في الدولة الفاطمية مكانه سجنا لأرباب الجرائم يعرف بحبس المعونة ، وكان شنيع المنظر ضيقا لا يزال من يجتاز عليه يجد منه رائحة منكرة ، فلما كان في الدولة التركية وصار قلاوون من جملة الأمراء الظاهرية بيبرس ، صار يمرّ من داره إلى قلعة الجبل على حبس المعونة هذا فيشمّ منه رائحة رديئة ويسمع منه صراخ المسجونين وشكواهم الجوع والعري والقمل ، فجعل على نفسه أنّ الله تعالى جعل له من الأمر شيئا أن يبني هذا الحبس مكانا حسنا ، فلما صار إليه ملك ديار مصر والشام هدم حبس المعونة وبناه سوقا ليسكنه بياعي العنبر ، وكان للعنبر إذ ذاك بديار مصر نفاق ، وللناس فيه رغبة زائدة ، لا يكاد يوجد بأرض مصر امرأة وإن سفلت إلّا ولها قلادة من عنبر ، وكان يتّخذ منه المخادّ والكلل والستور وغيرها ، وتجار العنبر يعدّون من بياض الناس ، ولهم أموال جزيلة ، وفيه رؤساء وأجلّاء ، فلما صار الملك إلى الملك الناصر محمد بن قلاون جعل هذا السوق وما فوقه من المساكن وقفا على الجامع الذي أنشأه بظاهر مصر جوار موردة الخلفاء المعروف بالجامع الجديد الناصري ، وهو جار في أوقافه إلى يومنا هذا ، إلّا أن العنبر من بعد سنة سبعين وسبعمائة كثر فيه الغش حتى صار اسما لا معنى له ، وقلّت رغبة الناس في استعماله ، فتلاشى أمر هذا السوق بالسنة لما كان ، ثم لما حدثت المحن بعد سنة ست وثمانمائة قلّ ترفّه أهل مصر عن استعمال الكثير من العنبر ، فطرق هذا السوق ما طرق غيره من أسواق البلد ، وبقيت فيه بقية يسيرة إلى أن خلع الخليفة المستعين بالله العباسي بن محمد في سنة خمس عشرة وثمانمائة ، وكان نظر الجامع الجديد بيده وبيد أبيه الخليفة المتوكل على الله محمد ، فقصد بعض سفهاء العامّة يكاتبه بتعطيل هذا السوق ، فاستأجر قيسارية العصفر ونقل سوق العنبر إليها ، وصار معطلا نحو سنتين ، ثم عاد أهل العنبر إلى هذا السوق على عادتهم في سنة ثمان عشرة وثمانمائة.
سوق الخرّاطين : هذا السوق يسلك فيه من سوق المهامزيين إلى الجامع الأزهر وغيره ، وكان قديما يعرف بعقبة الصباغين ، ثم عرف بسوق القشاشين ، وكان فيما بين دار الضرب والوكالة الآمرية وبين المارستان ، ثم عرف الآن بسوق الخرّاطين ، وكان سوقا كبيرا