معمورا لجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع المهد الذي يربى فيه الأطفال ، وحوانيت الخرّاطين ، وحوانيت صناع السكاكين ، وصناع الدوى ، يشتمل على نحو الخمسين حانوتا ، فلما حدثت المحن تلاشى هذا السوق ، واغتصب الأمير جمال الدين يوسف الاستادار منه عدّة حوانيت ، من أوّله إلى الحمام التي تعرف بحمام الخرّاطين ، وشرع في عمارتها ، فعوجل بالقتل قبل إتمامها ، وقبض عليها الملك الناصر فرج فيما أحاط به من أمواله وأدخلها في الديوان.
فقام بعمارة الحوانيت التي تجاه قيسارية العصفر من درب الشمسي إلى أوّل الخرّاطين القاضي الرئيس تقيّ الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر ، فلما كملت جعلها الملك الناصر فيما هو موقوف على ترتبته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر ، وأفرد الحمّام وبعض الحوانيت القديمة للمدرسة التي أنشأها الأمير جمال الدين يوسف الأستادار برحبة باب العيد ، وما يقابل هذه الحوانيت هو وما فوقه وقف على المدرسة القراسنقرية وغيرها ، وهو متخرّب متهدّم.
سوق الجملون الكبير : هذا السوق بوسط سوق الشرابشيين ، يتوصل منه إلى البندقانيين وإلى حارة الجودرية وغيرها ، أنشئ فيه حوانيت سكنها البزازون ، وقفه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون على تربة مملوكه بلبغا التركمانيّ عند ما مات في سنة سبع وسبعمائة ، ثم عمل عليه بابان بطرفيه بعد سنة تسعين وسبعمائة ، فصارت تغلق في الليل ، وكان فيما أدركناه شارعا مسلوكا طول الليل ، يجلس تجاه صاحب العسس ، الذي عرفته العامة في زماننا بوالي الطوف ، من بعد صلاة العشاء في كل ليلة ، وينصب قدّامه مشعل يشعل بالنار طول الليل ، وحوله عدّة من الأعوان وكثير من السقائين والنجارين والقصارين والهدّادين بنوب مقرّرة لهم ، خوفا من أن يحدث بالقاهرة في الليل حريق فيتداركون إطفاءه ، ومن حدث منه في الليل خصومة ، أو وجد سكران ، أو قبض عليه من السرّاق ، تولى أمره والي الطوف وحكم فيه بما يقتضيه الحال. فلما كانت الحوادث بطل هذا الرسم في جملة ما بطل ، وهذا السوق الآن جار في وقف ... (١).
سوق الفرّايين : هذا السوق يسلك فيه من سوق الشرابشيين إلى الأكفانيين والجامع الأزهر وغير ذلك. كان قديما يعرف بسوق الخروقيين ، ثم سكن فيه صناع الفراء وتجّاره ، فعرف بهم ، وصار بهذا السوق في أيام الملك الظاهر برقوق من أنواع الفراء ما يجلّ أثمانها وتتضاعف قيمها ، لكثرة استعمال رجال الدولة من الأمراء والمماليك لبس السمور والوشق والقماقم والسنجاب ، بعد ما كان ذلك في الدولة التركية من أعز الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يلبسها ، ولقد أخبرني الطواشي الفقيه الكاتب الحاسب الصوفيّ زين الدين مقبل الروميّ الجنس المعروف بالشامي ، عتيق السلطان الملك الناصر الحسين بن محمد بن قلاون : أنه
__________________
(١) بياض في الأصل.