سنة بضع وثمانين وسبعمائة ، ونقل إليه الأخفافيين بياعي أخفاف النساء من خط الحريريين والزجاجين ، وكان مكانه مما خرب في حريق البندقانيين ، فركب بعض القيسارية على بئر زويلة وجعل بابها تجاه درب الأنجب ، وبنى بأعلاها ربعا كبيرا فيه عدّة مساكن ، وجعل الحوانيت بظاهرها وبظاهر درب الأنجب ، وبنى فوقها أيضا عدّة مساكن ، فعمر ذلك الخط بعمارة هذه الأماكن ، وبه إلى الآن سكن بياعي أخفاف النساء ونعالهنّ ، التي يقال للنعل منها سر موزه ، وهو لفظ فارسيّ معناه رأس الخف ، فإن سر رأس وموزه خف.
سوق الكفتيين : هذا السوق يسلك إليه من البندقانيين ومن حارة الجودرية ومن الجملون الكبير وغيره ، ويشتمل على عدّة حوانيت لعمل الكفت ، وهو ما تطعّم به أواني النحاس من الذهب والفضة ، وكان لهذا الصنف من الأعمال بديار مصر رواج عظيم ، وللناس في النحاس المكفت رغبة عظيمة ، أدركنا من ذلك شيئا لا يبلغ وصفه واصف لكثرته ، فلا تكاد دار تخلو بالقاهرة ومصر من عدّة قطع نحاس مكفت ، ولا بدّ أن يكون في شورة العروس دكة نحاس مكفت.
والدكة : عبارة عن شيء شبه السرير يعمل من خشب مطعم بالعاج والأبنوس ، أو من خشب مدهون ، وفوق الدكة دست طاسات من نحاس أصفر مكفت بالفضة ، وعدّة الدست سبع قطع بعضها أصغر من بعض ، تبلغ كبراها ما يسع نحو الأردب من القمح ، وطول الأكفات التي نقشت بظاهرها من الفضة نحو الثلث ذراع في عرض إصبعين ، ومثل ذلك دست أطباق عدّتها سبعة بعضها في جوف بعض ، ويفتح أكبرها نحو الذراعين وأكثر ، وغير ذلك من المناير والسرج وأحقاق الأشنان والطشت والإبريق والمبخرة ، فتبلغ قيمة الدكة من النحاس المكفت زيادة على مائتي دينار ذهبا ، وكانت العروس من بنات الأمراء أو الوزراء أو أعيان الكتاب أو أماثل التجار تجهز في شورتها عند بناء الزوج عليها سبع دكك ، دكة من فضة ، ودكة من كفت ، ودكة من نحاس أبيض ، ودكة من خشب مدهون ، ودكة من صيني ، ودكة من بلور ، ودكة كداهي : وهي آلات من ورق مدهون تحمل من الصين ، أدركنا منها في الدور شيئا كثيرا ، وقد عدم هذا الصنف من مصر إلّا شيئا يسيرا. حدثني القاضي الفاضل الرئيس تاج الدين أبو الفداء إسماعيل أحمد بن عبد الوهاب ابن الخطباء المخزوميّ رحمهالله قال : تزوّج القاضي علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة بامرأة من بنات التجار ، تعرف بست العمائم ، فلما قارب البناء عليها والدخول بها ، حضر إليه في يوم وكيلها وأنا عنده ، فبلّغه سلامها عليه وأخبره أنها بعثت إليه بمائة ألف درهم فضة خالصة ليصلح بها لها ما عساه اختلّ من الدكة الفضة ، فأجابه إلى ما سأل وأمره باحضار الفضة ، فاستدعى الخدم من الباب فدخلوا بالفضة في الحال ، وبالوقت أمر المحتسب بصناع الفضة وطلائها ، فاحضروا وشرعوا في إصلاح ما أرسلته ست العمائم من أواني الفضة وإعادة طلائها بالذهب ، فشاهدنا من ذلك منظرا بديعا.