الناس حوله حتى صار متصلا بالعمارة من سائر جهاته ، وسكنه الأمراء والأعيان وأنشأوا به الحمّامات والأسواق وغير ذلك.
وكانت حدق ومسكة من جواري السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، نشأتا في داره وصارتا قهرمانتين لبيت السلطان يقتدى برأيهما في عمل الأعراس السلطانية والمهمات الجليلة التي تعمل في الأعياد والمواسم ، وترتيب شؤون الحريم السلطانيّ ، وتربية أولاد السلطان ، وطال عمرهما وصار لهما من الأموال الكثيرة ، والسعادات العظيمة ما يجلّ وصفه ، وصنعا برّا ومعروفا كبيرا ، واشتهرتا وبعد صيتهما وانتشر ذكر هما.
حكر طقزدمر : هذا الحكر كان بستانا مساحته نحو الثلاثين فدّانا ، فاشتراه الأمير طقزدمر الحمويّ نائب السلطنة بديار مصر ودمشق ، وقلع أخشابه وأذن للناس في البناء عليه ، فحركوه وأنشأوا به الدور الجليلة ، واتصلت عمارة الناس فيه بسائر العمائر من جهاته ، وأنشأ الأمير طقزدمر فيه أيضا على الخليج قنطرة ليمرّ عليها من خط المسجد المعلق إلى هذا الحكر ، وصار هذا الحكر مسكن الأمراء والأجناد ، وبه السوق والحمّامات والمساجد وغيرها ، وهو مما عمر في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، ومات طقز دمر في ليلة الخميس مستهلّ جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبعمائة.
اللوق : يقال لاق الشيء يلوقه لوقا ولوّقه ، ليّنه. وفي الحديث الشريف لا آكل إلّا ما لوّق لي ، ولواق أرض معروفة. قاله ابن سيده : فكأن هذه الأرض لما انحسر عنها ماء النيل كانت أرضا لينة ، وإلى الآن في أراضي مصر ما إذا نزل عنها ماء النيل لا تحتاج إلى الحرث للينها ، بل تلاق لوقا ، فصواب هذا المكان أن يقال فيه أراضي اللوق بفتح اللام ، إلّا أن الناس إنما عهدناهم يقولون قديما باب اللوق وأراضي باب اللوق بضم اللام ، ويجوز أن يكون من اللق بضم اللام وتشديد القاف. قال ابن سيده : واللق كل أرض ضيقة مستطيلة ، واللق الأرض المرتفعة ، ومنه كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج لا تدع خقا ولا لقا إلا زرعته ، حكاه الهوريّ ، في الغريبين. انتهى. والخقّ بضم الخاء المعجمة وتشديد القاف ، الغدير إذا جفّ. وقيل الخق ما اطمأنّ من الأرض ، واللق ما ارتفع منها ، وأراضي اللوق هذه كانت بساتين ومزروعات ، ولم يكن بها في القديم بناء البتة ، ثم لما انحسر الماء عن منشأة الفاضل عمر فيها كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، ويطلق اللوق في زمننا على المكان الذي يعرف اليوم بباب اللوق ، المجاور لجامع الطباخ المطلّ على بركة الشقاف ، وما يسامته إلى الخليج الذي يعرف اليوم بخليج فم الخور ، وينتهي اللوق من الجانب الغربيّ إلى منشأة المهرانيّ ، ومن الجانب الشرقيّ إلى الدكة بجوار المقس ، وكان القاضي الفاضل قد اشترى قطعة كبيرة من أراضي اللوق هذه من بيت المال وغيره بجمل كبيرة من المال ، ووقفها على العين الزرقاء بالمدينة النبوية ، على ساكنها أفضل الصلاة