ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام
اعلم أن المقس قديم ، وكان في الجاهلية قرية تعرف بأمّ دنين ، وهي الآن محلة بظاهر القاهرة في برّ الخليج الغربيّ ، وكان عند وضع القاهرة هو ساحل النيل ، وبه أنشأ الإمام المعز لدين الله أبو معدّ الصناعة التي ذكرت عند ذكر الصناعات من هذا الكتاب ، وبه أيضا أنشأ الإمام الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور جامع المقس الذي تسميه عامّة أهل مصر في زمننا بجامع المقسيّ ، وهو الآن يطلّ على الخليج الناصريّ. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر ، وقد ذكر مسير عمرو بن العاص رضياللهعنه إلى فتح مصر : فتقدّم عمرو بن العاص رضياللهعنه لا يدافع إلّا بالأمر الخفيف ، حتى أتى بلبيس ، فقاتلوه بها نحوا من شهر ، حتى فتح الله سبحانه وتعالى عليه ، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى أمّ دنين ، فقاتلوه بها قتالا شديدا ، وأبطأ عليه الفتح ، فكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستمدّه ، فأمدّه بأربعة آلاف ، تمام ثمانية آلاف ، فقاتلهم ، وذكر تمام الخبر. وقال القاضي أبو عبد الله القضاعيّ : المقس كانت ضيعة تعرف بأمّ دنين ، وإنما سمّيت المقس لأنّ العاشر كان يقعد بها ، وصاحب المكس ، فقيل المكس ، فقلب فقيل المقس. قال المؤلف رحمهالله : الماكس هو العشار ، وأصل المكس في اللغة الجباية. قال ابن سيدة في كتاب المحكم : المكس الجباية ، مكسه يمكسه مكسا ، والمكس دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق في الجاهلية ، ويقال للعشار صاحب مكس ، والمكس انتقاص الثمن في البياعة. قال الشاعر :
أفي كلّ أسواق العراق أتاوة |
|
وفي كلّ ما باع امرؤ مكس درهم |
ألا ينتهي عنا رجال وتتّقى |
|
محارمنا لا يدرأ الدّم بالدّمّ |
الأتاوة الخراج ومكس درهم أي نقص درهم في بيع ونحوه. قال : وعشر القوم يعشرهم عشرا وعشورا ، وعشرهم أخذ عشر أموالهم ، وعشر المال نفسه ، وعشره كذلك ، والعشّار قابض العشر. ومنه قول عيسى بن عمرو لابن هبيرة وهو يضرب بين يديه بالسياط : تالله إن كانت إلّا ثيابا في أسفاط قبضها عشّاروك. وقال الجاحظ : ترك الناس مما كان مستعملا في الجاهلية أمورا كثيرة ، فمن ذلك تسميتهم للأتاوة بالخراج ، وتسميتهم لما يأخذه السلطان من الحلوان والمكس بالرشوة ، وقال الخارجيّ : أفي كلّ أسواق العراق أتاوة. البيت وكما قال العبديّ في الجارود :
اكابن المعلي خلتنا أما حسبتنا |
|
صواريّ نعطي الماكسين مكوسا |
الصواريّ : الملاحون ، والمكس : ما يأخذ العشار انتهى.
ويقال أن قوم شعيب عليهالسلام ، كانوا مكاسين ، لا يدعون شيئا إلا مكّسوه. ومنه