الخليج المذكور ، أنشأ الناس البساتين والدور كما يجيء إن شاء الله تعالى ذكره ، وأدركنا المقس خطة في غاية العمارة بها عدّة أسواق ، ويسكنها أمم من الأكراد والأجناد والكتاب وغيرهم ، وقد تلاشت من بعد سنة سبع وسبعين وسبعمائة ، عند حدوث الغلاء بمصر في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين ، فلما كانت المحن منذ سنة ست وثمانمائة خربت الأحكار والمقس وغيره ، وفيه إلى الآن بقية صالحة ، وبه خمسة جوامع تقام بها الجمعة ، وعدّة أسواق ، ومعظمه خراب.
ذكر ميدان القمح
هذا المكان خارج باب القنطرة ، يتصل من شرقية بعدوة الخليج ، ومن غريبه بالمقس ، وبعضهم يسميه ميدان الغلة ، وكان موضعا للغلال أيام كان المقس ساحل القاهرة ، وكانت صبر القمح وغيره من الغلال توضع من جانب المقس إلى باب القنطرة عرضا ، وتقف المراكب من جامع المقس إلى منية الشيرج طولا ، ويصير عند باب القنطرة في أيام النيل من مراكب الغلة وغيرها ما يستر الساحل كله.
قال ابن عبد الظاهر : المكان المعروف بميدان الغلة وما جاوره إلى ما وراء الخليج ، لما ضعف أمر الخلافة وهجرت الرسوم القديمة من التفرّج في اللؤلؤة وغيرها ، بنت الطائفة الفرحية الساكنون بالمقس ، لأنهم ضاق بهم المقس ، قبالة اللؤلؤة حارة سميت بحارة اللصوص ، بسبب تعدّيهم فيها مع غيرهم إلى أن غيروا تلك المعالم ، وقد كان ذلك قديما بستانا سلطانيا يسمّى بالمقسي ، أمر الظاهر بن الحاكم بنقل أنشابه وحفره وجعله بركة قدّام اللؤلؤة مختلطة بالخليج ، وكان للبستان المقدّم ذكره ترعة من البحر يدخل منها الماء إليه ، وهو خليج الذكر الآن ، فأمر بإبقائها على حالها مسلطة على البركة والخليج يستنقع الماء فيها ، فلما نسي ذلك على ما ذكرناه ، عمد المذكورون وغيرهم إلى اقتطاع البركة من الخليج وجعلوا بينها وبين الخليج جسرا ، وصار الماء يصل إليها من الترعة دون الخليج ، وصارت منتزها للسودان المذكورين في أيام النيل والربيع ، ولما كانت الأيام الآمرية أحبّ إعادة النزهة ، فتقدّم وزيره المأمون بن البطائحيّ بإحضار عرفاء السودان المذكورين وأنكر عليهم ، ذلك ، فاعتذروا بكثرة الرمال ، فأمر بنقل ذلك وأعطاهم أنعاما ، فبنوا حارة بالقرب من دار كافور التي أسكنت بها الطائفة المأمونية قبالة بستان الوزير ، ومن المساجد الثلاثة المعلقة في شرقيها ، ثم أحضر الأبقار من البساتين والعدد والآلات ونقض الجسر الذي بين البركة والخليج ، وعمّق البركة إلى أن صار الخليج مسلطا عليها. قال مؤلفه رحمهالله تعالى ، هذه البركة عرفت ببطن البقرة ، وقد ذكر خبرها عند ذكر البرك من هذا الكتاب ، وقد صار هذا الميدان اليوم سوقا تباع فيه القشة من النحاس العتيق والحصر وغير ذلك ، وفي بعضه سوق الغزل وبه جامع يشرف على الخليج ، وسكن هناك طائفة من