فسّر السلطان بذلك ، وحصل للناس رفق ، وقويت رغبتهم فيه ، فاشتروا عدّة أراض من بيت المال غرست فيها الأشجار وصارت بساتين جليلة ، وأخذ الناس في العمارة على حافتي الخليج ، فعمر ما بين المقس وساحل النيل ببولاق ، وكثرت العمائر على الخليج حتى اتصلت من أوّله بموردة البلاط إلى حيث يصب في الخليج الكبير بأرض الطبالة ، وصارت البساتين من وراء الأملاك المطلة على الخليج ، وتنافس الناس في السكنى هناك ، وأنشأوا الحمّامات والمساجد والأسواق ، وصار هذا الخليج مواطن أفراح ومنازل لهو ومغنى صبابات وملعب أتراب ومحل تيه وقصف ، فيما يمرّ فيه من المراكب وفيما عليه من الدور ، وما برحت مراكب النزهة تمرّ فيه بأنواع الناس على سبيل اللهو إلى أن منعت المراكب منه بعد قتل الأشرف ، كما يرد عند ذكر القناطر إن شاء الله تعالى.
ذكر خليج قنطرة الفخر
هذا الخليج يبتدئ من الموضع الذي كان ساحل النيل ببولاق ، وينتهي إلى حيث يصب في الخليج الناصريّ ، ويصب أيضا في خليج لطيف تسقى منه عدّة بساتين ، وكل من هذين الخليجين معمور الجانبين بالأملاك المطلق عليه ، والبساتين وجميع المواضع التي يمرّ فيها الخليج الناصريّ ، وأرض هذين الخليجين كانت غامرة بالماء ، ثم انحسر عنها الماء شيئا بعد شيء ، كما ذكر في ظواهر القاهرة ، وهذا الخليج حفر بعد الخليج الناصريّ.
ذكر القناطر
اعلم أن قناطر الخليج الكبير عدّتها الآن أربع عشرة قنطرة ، وعلى خليج فم الخور قنطرة واحدة ، وعلى خليج الذكر قنطرة واحدة ، وعلى الخليج الناصريّ خمس قناطر ، وعلى بحر أبي المنجا قنطرة عظيمة ، وبالجيزة عدّة قناطر.
ذكر قناطر الخليج الكبير
قال القضاعي : القنطرتان اللتان على هذا الخليج ، يعني خليج مصر الكبير ، أما التي في طرف الفسطاط بالحمراء القصوى ، فإن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بناها في سنة تسع وستين ، وكتب عليها اسمه ، وابتنى قناطر غيرها ، وكتب على هذه القنطرة المذكورة ، هذه القنطرة أمر بها عبد العزيز بن مروان الأمير ، اللهمّ بارك له في أمره كله ، وثبت سلطانه على ما ترضى ، وأقرّ عينه في نفسه وحشمه أمين. وقام ببنائها سعد أبو عثمان ، وكتب عبد الرحمن في صفر سنة تسع وستين ، ثم زاد فيها تكين أمير مصر في سنة عثمان عشرة وثلثمائة ، ورفع سمكها ، ثم زاد عليها الإخشيد في سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة ، ثم عمرت في أيام العزيز بالله.