وقال ابن عبد الظاهر : وهذه القنطرة ليس لها أثر في هذا الزمان ، قلت موضعها الآن خلف خط السبع سقايات ، وهذه القنطرة هي التي كانت تفتح عند وفاء النيل في زمن الخلفاء ، فلما انحسر النيل عن ساحل مصر اليوم ، أهملت هذه القنطرة ، وعملت قنطرة السدّ عند فم بحر النيل ، فإن النيل كان قد ربى الجرف ، حيث غيط الجرف الذي على يمنة من سلك من المراغة إلى باب مصر بجوار الكبارة.
قنطرة السد : هذه القنطرة موضعها مما كان غامرا بماء النيل قديما ، وهي الآن يتوصل من فوقها إلى منشأة المهرانيّ وغيرها من برّ الخليج الغربيّ ، وكان النيل عند إنشائها يصل إلى الكوم الأحمر الذي هو جانب الخليج الغربيّ الآن ، تجاه خط بين الزقاقين ، فإن النيل كان قد ربى جرفا قدّام الساحل القديم ، كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، فأهملت القنطرة الأولى لبعد النيل ، وقدّمت هذه القنطرة إلى حيث كان النيل ينتهي ، وصار يتوصل منها إلى بستان الخشاب الذي موضعه اليوم يعرف بالمريس وما حوله ، وكان الذي أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ، في أعوام بضع وأربعين وستمائة ، ولها قوسان ، وعرفت الآن بقنطرة السدّ ، من أجل أن النيل لما انحسر عن الجانب الشرقيّ وانكشفت الأراضي التي عليها الآن ، خط بين الزقاقين إلى موردة الحلفاء ، وموضع الجامع الجديد إلى دار النحاس ، وما وراء هذه الأماكن إلى المراغة وباب مصر بجوار الكبارة ، وانكشف من أراضي النيل أيضا الموضع الذي يعرف اليوم بمنشأة المهرانيّ ، وصار ماء النيل إذا بدت زيادته يجعل عند هذه القنطرة سدّ من التراب حتى يسند الماء إليه إلى أن تنتهي الزيادة إلى ست عشرة ذراعا ، فيفتح السدّ حينئذ ويمرّ الماء في الخليج الكبير كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، والأمر على هذا إلى اليوم.
قناطر السباع : هذه القناطر جانبها الذي يلي خط السبع سقايات من جهة الحمراء القصوى ، وجانبها الآخر من جهة جنان الزهريّ ، وأوّل من أنشأها الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ ، ونصب عليها سباعا من الحجارة ، فإن رنكه كان على شكل سبع ، فقيل لها قناطر السباع من أجل ذلك ، وكانت عالية مرتفعة ، فلما أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان السلطانيّ في موضع بستان الخشاب ، حيث موردة البلاط ، وتردّد إليه كثيرا ، وصار لا يمرّ إليه من قلعة الجبل حتى يركب قناطر السباع ، فتضرّر من علوّها وقال لومراء أنّ هذه القنطرة حين أركب إلى الميدان وأركب عليها يتألم ظهري من علوّها ، ويقال أنه أشاع هذا ، والقصد إنما هو كراهته لنظر أثر أحد من الملوك قبله ، وبغضه أن يذكر لأحد غيره شيء يعرف به ، وهو كلما يمرّ بها يرى السباع التي هي رنك الملك الظاهر ، فأحب أن يزيلها لتبقى القنطرة منسوبة إليه ومعروفة به ، كما كان يفعل دائما في محو آثار من تقدّمه وتخليد ذكره ، ومعرفة الآثار به ونسبتها له ، فاستدعى الأمير علاء الدين عليّ بن حسن